الاثنين، 6 يونيو 2011

الهزيمة اسمها.. هيكل!


PDF طباعة إرسال إلى صديق
أيمن عبد الرسول   
الاثنين, 06 يونيو 2011 
"رجل لكل العصور".. هذه الكلمة تنطبق على الكاتب الكبير الملقَّب بالأستاذ، الاسم العلم الذي علَّم فينا على مر سنين طويلة، بالمعلومات مرة، وبالاستشارات لمجلس قيادة الثورة وخصوصًا جمال عبد الناصر، الزعيم المُلهَم، وكان أحد أهم مصادر إلهامه، هيكل، هرم مصر الرابع لدى عَبَدة الشخوص، والرجل الذي عاصر كل العهود، وأفتى كل الفتاوى السياسية، وصار مع التقادم رمزًا للحكمة، بدأ مع الملك فاروق الأول والأخير، ولمع نجمه مع الضباط الأحرار، ضابطًا بعد ضابط، وصار مستشارًا للسادات، حتى اختلف معه، وحمل مرارة من مبارك لأنه همَّشه محليًّا، ولم يستفد من خبراته السياسية، واستأذن الاعتزال عن الكتابة مشكورًا في 2003، ليملأ سماوات الفضاء لغطًا وصخبًا!
وحاول أن يُخلص ثأره الشخصي مع آخر الضباط الذين حكمونا، ويبدو أنه لن يكون الأخير، بطرق لا تليق بإعلامي ولا نقول رمزًا، مرة يقلِّل من خسائرنا العسكرية، ويهدر دم شهدائنا في حروبنا من أجل فلسطين، من 48ـ 73، ومرة يتهم مستغلاًّ مقولة إن الموتى لا يتكلمون، السادات باغتيال عبد الناصر بفنجان قهوة مسمومة، ومرة يقلل من دور سلاح الطيران في نصر أكتوبر، فضلاً عن تهوينه من النصر نفسه!
في مقالة قديمة لي كتبتها بعنوان: تخاريف الكبار، العوَّا وبيشوي وهيكل، قلت: إن العواجيز في السن، عليهم اعتزال الحياة السياسية بل والعامة، لأنهم بدلاً من أن يكونوا مجلس حكماء البلد، هم المسؤولين بشكل مباشر عن كل أزماتنا، ومع تخليهم عن مسؤوليتهم التاريخية، وهم الذين أفسدوا حياتنا بفتاواهم، واستشاراتهم، بل وممارساتهم أيضًا، وتاريخهم النضالي غير المشرف على الإطلاق بنتائجه المخزية، ألم يكن هيكل مسؤولاً عن هزيمة 5 يونيو؟!
ألم يشارك في إحباط معنويات الشعب والجيش طوال مدة حرب الاستنزاف، وعندما صنع الجيش المصري العظيم، بكل أسلحته وقطاعاته، وبمساندة مواطنيه، فالجيش من أولاد مصر، وهو جيش شعب مصر، ألم يشارك هيكل في تتويج السادات بطلاً للحرب والسلام؟  بل ألم يحاول هيكل وباعترافه توجيه سياسات مبارك عبر رسائل كان ينتوي نشرها في الأهرام، وقتما تولَّى مبارك خلفًا للسادات وباختياره ومباركة هيكلية، حكم مصر؟!
ماذا يريد الأستاذ بعد كل هذا العمر، وكل هذه الكتابات، وكل مكاسبه عبر أربعة عهود في حكم مصر؟ لم يتحدث أحد عن بيزنس أولاد هيكل، ولا بيزنس هيكل شخصيًّا، ولم يضع أحد مقولاته غير الموضوعية محل الاختبار، وصارت أحكامه التي يصدرها علينا من برقاش، أو مكتبه في العمارة التي تحوي السفارة الإسرائيلية، على طريقة عادل إمام "السفارة في العمارة"، لا جدال فيها ولكن سمعًا وطاعة.
رسالة مُخلصة لوجه الله والوطن أكتبها للأستاذ هيكل من شاب يعشق تراب هذا الوطن، ولا يشكِّك في كونك أحد أهم مصادر الإعلام المصري، ولأجل أن تبقى صورتك رمزًا كما تدشن له كتبك، وتاريخك الملون بلون بهجة السلطة، وتقلباتها، أستاذنا الكبير في السن والمقام، والقامة.. لتقل خيرًا أو لتصمت.
فلو قرَّر جيلي الذي دفع فواتير جيلكم الباهظة من فساد إعلامي، وسيطرة على منافذ الرأي، وسلطة كوّنتها سنوات من جمع الرأسمال الرمزي، وتوجيه الناس في بلدي إلى حيث خراب من بعد خراب، لا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به من مرارة هزيمتكم، التي سميتها أنت ولا شخص سواك نكسة، وهي في الحقيقة هزيمة جيل، أغرقنا بمحو التاريخ السابق عليه، وتأميم مستقبلنا لصالح نواياه الحسنة، وفعاله المدمرة، أحمّلك يا سيدي مسؤولية فساد أجيال متعاقبة من الانتهازيين والأفاقين من الإعلاميين السائرين في ركب السلطة أينما حلَّت أو ارتحلت.. لماذا لا تكتفي بكل هذا العمر من الأكاذيب؟
أعذرني يا سيدي أو لا تعذرني فإننا حتى الآن ندفع ثمن هزيمتكم، ونغسل عار ماضيكم، ونحارب لكم معارككم بالوكالة، مرة كقوميين فشلوا في تحقيق حلم الوحدة المستحيل، ومرة كمصريين عاشوا لكل العصور، وزيّنوا لنا عصور سلطاتهم غير المحدودة، وشوَّهوا لنا عصور هزيمتهم غير المحدودة كذلك!
لا، لا أقول أن نلقي بتاريخكم إلى البحر، كما ألقتنا تحليلاتكم إلى جحيم العدمية، ولكن أقول لك ولجيلك الذي أفسد علينا بهجتنا بالمستقبل، ونحن نحاول حل ألغاز الماضي وألغامه التي صنعتموها جيلاً بعد جيل، فقط أقول لكم: جرَّبنا حلاوة الانتصار على عدميتكم، فلا تشاركونا فرحتنا، ولا تفسدوها بتدخُّلاتكم غير المجدية بالمرة، فنحن تعلَّمنا أن نأخذ الحكمة من أفواه الشعوب، لا الحكام، وأنتم بكل مرارة هزيمتكم التي لحقتنا، عليكم الاكتفاء بهذا القدر!
علَّكم إذا راجعتم أنفسكم، وكنتم أمناء ولو لمرة واحدة أمام مراياكم، وعرفتم أن الهزيمة اسمها هيكل، وأقرانه، تطلبون منا السماح قبل أن نضعكم في قفص الاتهام مع مبارك الذي لم تكن شرعيته لتأتي بغيركم، من لدن محمد نجيب، وحتى الآن!
وختامًا: عذرًا إن قسوت عليكم، فنحن نُطالب بإعدام رئيس صمت أو تواطأ على قتل ألف مصري، في مظاهرات سلمية، فكيف نحكم على من جرَّفوا عقول أمة على مدى ستين عامًا، وفي النهاية يسخرون من مبارك، لأنه لم يعرهم الاهتمام اللائق بتاريخهم في مساندة شرعية فاسدة؟!
أسألكم الرحيل إذا أردتم الاحتفاظ ببعض الاحترام البنوي من أبناء مصر الذين لا ذنب لهم في أنكم كنتم آباءهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق