الاثنين، 6 يونيو 2011

إحنا اللي كفَّرنا الأقباط!


PDF طباعة إرسال إلى صديق
أيمن عبد الرسول   
السبت, 21 مايو 2011 
قال لي صديقي وهو يحاورني: يا أخي مش قادر افهم إزاي القبط يخرجوا على أوامر قداسة البابا شنودة، ويرغموه لأول مرة إنه ينزل على رغبتهم، وبعد ما يطلب منهم فض الاعتصام، يرجع يقول "عمري ما ضغطت على أولادي" شوفت فُجر القبط وصل لفين، يخرجوا عن طوع الكنيسة والبابا؟!
بصراحة كنت عايز أرد عليه ردًّا يعاقب عليه القانون، من باب إن اللي يرد على أي حد اليومين دول ممكن يعاقبه القانون، بأي تهم "عيب في الذات الثورية" ماشي، "ازدراء المؤسسة العسكرية" شغال، انتماء "للفلول والطعمية" أعمل لك ساندويتش، وهكذا.. دواليك، ودوا ليَّا!!

المهم، راودتني فكرة لمجاراة صديقي العزيز، وهي أن الأقباط محتاجين حد ـ عدم اللا مؤاخذة ـ يرد ليهم دينهم، ليسوا جميعًا قطعًا ولكن من خرج منهم عن دينه، ولم ينصَع لتعاليم المسيح، ووصاياه الضالعة في محبة الأعداء، ومباركة اللاعنين، وإدارة الخد الأيسر عندما يلطعك أحدهم على خدك الأيمن، وغيرها من الوصايا والتعاليم التي تمجد الذي يموت مغلوبًا، ولا تبشر من مات غالبًا، وغالبًا تقريبًا، كل الذين خرجوا في هوجة 25 يناير رغم أوامر الكنيسة بعدم الخروج، خرجوا على دين المسيح، والكنيسة، وربما حجزوا مقاعد بلكون في الجحيم!!

وبناء على اتفاقنا أن الأقباط والعياذُ بالله قد كفروا بخالق الناس مرتين، الأولى عندما لم يدخلوا في دين الله الجديد الذي دخل مصر على يد عمرو بن العاص، أفواجًا حتى أرهقتهم الجزية، وسماحة الحكام المسلمين، فدخل بعضهم الإسلام طوعًا وظل أغلبهم على ضلاله القديم حتى دخل الإسلام مرة أخرى، مصر الجديدة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، على يد الشيخ إسرائيل قائد غزوة الصناديق التي انتصر فيها المسلمون، على الدستور المدني العلماني أو كما قال فضيلته: الناس عايزة إيه؟ دين.. إديهم دين!!

خلينا مع الكفار لحد باب الدار، والمرة الثانية التي كفَّر فيها المسلمون الأقباط، بعد أن خرجوا عن مواطنة الكنيسة الأرثوذكسية، إلى براح المواطنة المصرية، وطالبوا بحقوقهم كمواطنين لا كأقباط، رغم أنهم في هذا التوقيت تحديدًا يواجهون آخر يقاتلهم على هويتهم الدينية، فحرق القتلة كنائسهم، وقتلوا شبابهم، واختطفوا نساءهم، ومارسوا ضدهم كل أنواع الإهانة، فهل يحمل القبطي صليبه ويسعى للاستشهاد في سبيل عقيدته، أم يحمل سلاحه في مواجهة من يحاول أن يسلبه الحق في الحياة؟!

ماذا تفعل لو كنت مسيحيًا في مناخ يرغمك على تكتم أمر دينك، والخوف من الإفصاح عن هويتك، من الذي أخرج الأقباط من قمقم المحبة إلى عدالة المعاملة بالمثل؟ أليست ميوعة الخطاب الإسلامي في حسم موقفه من الآخر، أليس الترويج لثقافة التكفير بين المسلم وأخيه المسلم "سنة وشيعة، قاديانية ومتصوفة"؟ أن الخطاب الديني بشقيه الإسلامي والمسيحي مسؤول عن حالة التردي التي نعيشها في الشارع، لأنه عندما كان صوت التسامح ينخفض، كان صوت الرصاص يعلو، وعندما كان صوت التكفير يرتفع، كان خطاب قبول الآخر يُلقى به في البالوعات، وعندما كانت قنوات التطرف تُبث على النايل سات، كان أغلب العلمانيين، ممنوعين من قول كلمة حق في وجه التطرف والإرهاب!!

إحنا اللي كفَّرنا المسيحيين ونحن نكفِّر كل من يفكِّر، كفَّرناهم عندما لم تحمِ الدولة أموالهم ولا أنفسهم من اعتداءات المجرمين الذين يرفعون راية الإسلام، ولم نكفِّر السلفيين مثلاً ولم نملك أن نقول بملء الفم أن ما يفعلونه مخالف للإسلام العظيم، وأن فعالهم تنتمي لمدرسة الخوارج، مثلاً الذين لا يتجاوز القرآن حناجرهم، ولا يفقهونه ولا يعملون به، لم يجرؤ عالم مسلم واحد أن يؤثم بشكل واضح وصريح ومُخرج من ملة الإسلام ما يفعله السلفيون من تكفير لبقية المسلمين، وهدم لقبور أولياء الله الصالحين، وحرق للكنائس، وغيرها من مهازل تسيء للإسلام، وتعرض بضاعة عفنة في سوق الأديان!

من الواضح أن إحنا فعلاً اللي كفَّرنا الأقباط، بتكفيرنا لهم، ولكنهم أيضًا بشر لهم حقوق وعليهم واجبات، ومواطنون لا ذميون، لأن كل شروط الذمية سقطت عنهم بالاندماج التاريخي بين الضحية والجلاد!

الأقباط لم يكفروا بعقيدتهم يا صديقي، ولم يخرجوا على أوامر قداسة البابا ولا الكنيسة، الحكاية وما فيها أنهم أصبحوا مواطنين في جمهورية الغضب، ولن يصمتوا لأمثالك من دعاة عودة الأقباط إلى دينهم عبر الاستكانة، والمثالية، وعدم الوقوف في وجه الأعداء، لقد أدرك الأقباط أن حقهم في المواطنة لن تأتي به إليهم الكنيسة، وإنما سيأخذونه بدفاعهم عن وجودهم، والبابا أدرك لأول مرة أن عليه عدم التدخل في السياسة، فأعطى كما قال المسيح ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، رغم أن قيصر لم يكفر يومًا بما لله!

وختامًا:

خذي رأيي وحسبك ذاك مني

على ما فيه من عِوَجٍ وأمتٍ

وماذا يبتغي الجُلساء عندي

أرادوا منطقي وأردت صمتي

ويوجد بيننا أمد قصيٌّ

فأمّوا سمتهم وأممت سمتي

السمت يعني الطريق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق