الاثنين، 28 فبراير 2011

ثورة مُضادة..!

أيمن عبد الرسول

كثر الحديث عما يسميه البعض بالثورة المضادة، هذا الاصطلاح الذي يحرص على استخدامه أنصار الثورة الأصلية، في كل مشكلة تحدث ضد ثورتهم، حل سهل وظريف ومريح، كأننا قمنا بكل ما تستلزمه الثورة من محدِّدات للنجاح، وتقاومها العناصر الموالية للنظام السابق، ونواجه أزمات ما بعد الانتفاضات بإلقاء التهم على الآخرين، وتوزيع الخيانات، والغنائم، كعادة الفراعنة عندما يقومون بمسح اسم الفرعون السابق من على إنجازاته، ونسبتها للفرعون الجديد، هل ما زالت جينات الفراعين في عقول المصريين؟!
تخيل عندما تتكلم مع أحد الثوريين عن الأعراض الجانبية للثورة، تصبح بقدرة قادر خائنًا وعميلاً للثورة المضادة، وعندما تقول رأيك العقلاني الهادئ، في تداعيات الأحداث على المواطنين الذين خرج من أجلهم الشباب مطالبين بخبز وحرية وعدالة اجتماعية، وبعد انتصار الثورة ـ بما أنهم مش عايزين يصدقوا إنها لم تتم دورتها بعد ـ بدأت أوهام الثورة المضادة التي تنسب إلى فلول النظام السابق، رغم محاكمة المسؤولين عن الفساد، ومنع الرئيس السابق من مغادرة البلاد، وفتح الملفات الصدئة لنظام فقد صلاحيته منذ أكثر من عشرين عامًا، طالبنا معًا بإسقاط النظام، وما زال يحكمنا جناح من أجنحة النظام، وعدِمنا ونحن نُعمِل معاول هدم النظام - محاولات تقديم بدائل واقعية، من رموز معارضة مدجنة، وموظفين كبار متواطئين على الفساد يغسلون أيديهم من النظام السابق، وديكتاتورية متأصلة في نفوس المواطنين الثوار، الأحرار الذين ما إن تخيلوا أنهم نالوا حريتهم التي ناضلنا معهم عليها على مر عمر لم نكسب فيه شيئًا شخصيًّا، بينما يتم الآن وضعنا في قوائم العداء للثورة أو أننا عملاء للثورة المضادة!
اسمحوا لي أن أقول لكم جميعًا: لأ.. أفيقوا.. واعرفوا عدونا المشترك، واخفضوا فزاعاتكم، ولا تحملونا على جدل عقيم وساذج حول من مع، ومن ضد.. عدونا المشترك والذي يمثل ثورة مضادة، هو الإعلاميون الذين تبدلت مواقفهم من مدح مدفوع الأجر للنظام السابق، وذم مدفوع الأجر أيضًا له الآن، عملاء الثورة المضادة هم الذين كانوا يجنون الملايين من أموال إعلانات الفاسدين على قنواتهم الفضائية، ثم يزايدون على الفقراء بأكاذيب وادعاءات، ووثائق إدانتهم واضحة جلية، لا تحتاج سوى الضغط على مفاتيح بسيطة في جهاز الكمبيوتر على اليوتيوب، أما الذين لم يمتدحوا النظام وهاجموه وقتما كان حيًّا يرزق، ودفعوا الثمن من أعمارهم، ودمائهم، ومن نقص موارد بيوتهم، فلا مزايدة عليهم، ارفعوا غشاوة الثورية العاطفية عن عيونكم التي يجب أن ترى مصر أوسع من ميدان التحرير.
إذا تحدثنا عن الإخوان هاجمونا بأننا نستخدم فزاعة النظام السابق، وكأن الحقيقة المرة غير واضحة للعيان، وهي أن الساحة السياسية المصرية في ظل مبارك لم يكن بها لاعبون جديون سوى الحزب الوطني والإخوان، وأننا معًا، دون إقصاء فريق عن الثورة، أسقطنا نخلة النظام في حجر الإخوان، لأنها لم تكن ثورة شباب الفيسبوك وحده، ولا عواجيز الأحزاب وحدهم، ولا بديل عن المشاركة البناءة في مستقبل مصر.
للمرة المليون نقولها، ليس من حق أحد أن يقصي مواطنًا عن الحديث باسم شعب مصر، ولا الحديث عما يسمى بالثورة المضادة إلا بعد كشف راكبي الثورة الأصلية، وفضح المزيفين لوعي الشعب، الذين يحاولون إيهامنا بأننا لسنا مصريين، وأننا ـ عدم اللا مؤاخذة ـ مالناش دعوة، أومال مين اللي ليه دعوة؟!
من حق كل مواطن أن يختار من يمثله، تلك بديهيات الديمقراطية، ولكن ديمقراطية الثوار على الطريقة المصرية (الفرعونية)، تمنعنا من ممارسة حقنا الطبيعي كمصريين، بفزاعة الثورة المضادة، وهي كما قلنا حيلة سهلة ومريحة لعدم سماع من يختلف مع الثورة، حتى إذا قلنا إنها ليست ثورة بالمعنى السياسي، لأنها بلا محددات ثورية، وأنها انتفاضة، نطالب بتدليعها على أنها ثورة لأن القواميس لم تعرف مثل الثورة المصرية السلمية البيضاء!! مش احنا اللي دلعنا الهزيمة في سبعة وستين وسميناها نكسة؟!
وفي النهاية أتذكر مقولة الفيلسوف العظيم نيتشه: "لقد حق علينا القول معشر الحكماء, فكل حقيقة نكتمها بداخلنا تتحول إلى سم زعاف.. فلتحطم الحقائق التي نجهر بها ما تحطمه". ولن ننساق وراء القطيع الغوغائي، فمستقبل هذا الوطن يجب أن يكون واضحًا، وليس رهنًا بالأحلام والأمنيات، مستقبل الوطن لا يحتمل مهادنة البعض، ولا التخوُّف من وصمة الثورة المضادة.. فإذا كان كلامي هذا لا يرضي الثوار الذين لا يستمعون إلا لكلمات الغزل والتملُّق في الثورة، وأن صوت العقل لا مكان له وسط دقات قلوب الثائرين، فنحن نكتب لا من أجل إرضائهم، كما كنا نواجه النظام السابق، وكنا في صف المعارضة الجادة التي لا تنتمي إلا لمصر، وإذا كانت مخاوفنا لا ترضي غرور الثوار، فأولى بهم أن يتركوا لنا مخاوفنا، ويعملوا على استكمال ثورتنا.. ثورتنا.. لا ثورتهم.. فكلنا مصريون وكلنا نمتلك مساحة في هذا الوطن.. وإن كنا سنستمر على خط المعارضة، فأهلاً بها، لأننا لم نكن سوى معارضة، حتى لو تم تصنيفنا على أننا ثورة مضادة.. رما تنجح في استكمال تمهيد طريق الحرية نحو غد أفضل!
ayman@alazma.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق