أيمن عبد الرسول
رحل مبارك عن منصبه، وتحققت إرادة شعب راهن الكثيرين ومنهم أنا شخصيًا على استكانته، كنت أكتب لتحريضه على الثورة، وأشك في إمكانية تحقيقها، وبعد ثمانية عشر يومًا من النضال الثوري، سقطت شرعية يوليو بشرعية 10 فبراير، الشرعية الثورية لشباب حركوا الحجر، وأسقطوا تصوراتنا الكلاسيكية عن الزعيم القائد، والأب الرئيس، وغيرها من المصطلحات والتصورات، التي علمنا إياها حكم العسكر تحت الزي المدني، كان مبارك الرئيس السابق(يااااااه طعمها حلو أوي) الرئيس السابق، يتعامل مع بقاءه في منصبه بمنطق التفاؤل والتشاؤم، فإذا أصدر أحدهم كتاب بعنوان(من هو الرئيس القادم لمصر) وقد صدر بالفعل في 1995 كتاب بهذا العنوان، تمت مصادرته، واعتقال كاتبه في عصر الحرية الذي يراعاه مبارك على ضمانته الشخصية، والتي سقطت الآن مع أكاذيب السيد الرئيس السابق.
كان مبارك، يدير دولة بوليسية من الطراز الأول، ويلعب لعبة الديمقراطية على مسرح الحياة السياسية، ديمقراطية المنح لمن يريد، والمنع عمن يريد، وكانت إرادته الحديدية لا تميز بين محب لوطنه يقدم مشروعًا لتغيير الدستور مثل أستاذنا رحمه الله محمد السيد سعيد، وبين مضلل يعمل مستشارًا لا رحمه الله حيًا ويكتب حتى الآن ضد كل قواعد التفكير الاستراتيجي، ومع ذلك نسميه المفكر الاستراتيجي، وهو الذي يعيد تدوير محاضراته منذ الستينات، بمصطلحات جديدة، ما علينا كانت الثلة المحيطة بالسيد الرئيس، من الآخر مغميه عين الرئيس، ويستعملون كلمة كله تمام ياريس، كالماء والهواء.
لن أحاول تصفية الحسابات، فالمستقبل منحنا بدماء شبابنا، وحماية قواتنا المسلحة الباسلة، فرصة تاريخية، اعتقد أننا محظوظون بما يكفي لمعايشتها عيانًا بيانًا، والأكثر من اللحظة الآنية مع روعتها، أننا نشارك بجدية في تشكيل نظام جديد، مختلف نضع فيه معًا ملامح مختلفة لمصر جديدة تتسع لكل المصريين، وتختلف فيها الآراء بلا تكفير أو تخوين، ويختار المواطن فيه رئيسه بإرادته الحرة، وتحت إشراف قضائي كامل، نمارس فيه ديمقراطية حقيقية، دعونا نعترف ونحن في لحظة لا تحتمل سوى الشفافية، والصدق مع النفس، قبل ممارسة الصدق مع الآخر، أقول وأجري على الوطن، الذي لا أريد من مواطنيه جزاءًا ولا شكورا، أننا بحاجة لتعلم الديمقراطية، والاستماع الجيد لبعضنا بعضًا، نحتاج إلى الإصغاء لصوت العقل والحرية، نحتاج إلى رسم مخطط واضح للإعلاء شأن مصرنا الجديدة.!
في تصوراتي، لابد من استماع الرئيس المقبل أيًا كان توجه، لابد وأن نختاره على أساس مدني، لا عسكري ولا ديني، وإذا اتفقنا على مراقبة التحول الديمقراطي في مصر، واجتماعنا على مبادئ واضحة لاختيار مستقبل بلدنا، فإن عليه وعلى طاقم نظامنا ومستشارينا، لأنه يعمل لدينا موظفًا بدرجة رئيس جمهورية، لو أخطأ حاسبناه، ولو أصاب شددنا على يدي، وبالتالي علينا التعلم من عصر مبارك، ومن نهايته العادلة المشرفة!
أول خطايا عصر مبارك، كانت خطيئة الاستهانة بشعب مصر، نعم الاستهانة والذل والإهانة، والاستعلاء على الناس بشرعية يوليو وأكتوبر، لذلك كان لابد من الشرعية الثورية، حتى تسقط تلك الشرعيات التاريخية، وعلى النظام الجديد، الذي سيختاره الشعب بمحض إرادته، أن لا يستعلى على الشعب، ولا يستهين به وبمقدراته، ياااااه كنا نسينا كلمة الشعب والجماهير، وعلمتنا الأنظمة الدكتاتورية ذات الأقنعة الديمقراطية، أن الشعب مصطلح هلامي غير واضح المعالم، وقال أحمد عز أحد رموز العهد البائد، أن الحكومات القوية لا تستجيب لرغبات شعوبها، فكيف حال القوة والرغبة الآن يا سيد عز؟!
وثاني خطايا الرئيس السابق، كان حكم العائلات، من لدن بطرس غالي، إلى عائلة مبارك شخصيًا، وكأن مصر عقمت عبر سنوات ما بعد حركة الضباط الأحرار عن إنجاب رجالات سياسة متميزين، نفس الوجوه على مدى أكثر من خمسين عامًا، وتتغير فقط المناصب والمصالح، نفس رؤساء أحزاب المعارضة، نفس المطالب، وكأننا نلعب لعبة الكراسي الموسيقية، فقط يبدلون مواقعهم، وأقنعتهم، وقناعاتهم حسبما تقتضيه طبيعة المرحلة، فهم ثوريون وقت الثورة، وهم اشتراكيون وقت الاشتراكية، ثم انفتاحيون وقت الانفتاح، ومسلمون وقت الأسلمة، ومع الحريات المشروطة، ومع النظام ومع الشعب، ومع كل من يلوح لهم بالبقاء، أما الشباب فلا ممثل لهم، الآن يجب الاستماع إلى لغة جديدة في الخطاب السياسي، لغة الكيبوورد لا البيانات المكتوبة بالكوبيا، لغة الشعب التي نسيها نظام الرئيس السابق، وأجبرنا على نسيانها، على الشباب أن يقوموا بثورة أخرى ضد العواجيز، الذين ورطونا فيما وصلنا إليه من أزمات، ثم رحلوا سالمين، ولنحاول جميعًا التواصل مع جيل غير التاريخ، من خلف شاشات الكمبيوتر، وبمطالب ناضلنا من اجلها نضالاً مريرًا بلا جدوى، إلى أن حققوها وسقطت سنوات الذل، ونأمل أن نتخلص من تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة، ذلك التراث الذي حمله إلينا جنود مرتزقة سميناهم مماليكًا وخضعنا لحكمهم، انتهى عصر المماليك، وبدأنا عصر الحرية.. ونقول هل من مزيد؟!
نعم هناك المزيد وتعالوا معًا نحدد ملامح مصرنا الجديدة، بلا ذل ولا قهر ولا استعباد، ولا نستبدل دكتاتورًا بغيره، فقد سقطت الأصنام، ولم يبقى علينا سوى بداية المشوار، بتحديد خطة نهوض بهذا البلد، بكل طوائفه وطبقاته، وبرعاية شبابه، الذي قال لا.. فسقطت أصنام القهر.. أما هذه الخطة والطريقة فأدعوكم لمناقشة جادة حول مستقبل مصر، نتعلم ألا نكرر أخطاء الماضي، وأن نصنع بثقة وجدية خيارات المستقبل.
شعب مصر لم يعد قاصرًا.. لقد بلغنا سن الرشد، وعلينا التعامل بمسئولية تجاه خيارتنا التاريخية.. أقول تحيا مصر، وتسقط كل الأصنام، والأنظمة التي تسحق الإنسان، في كل مكان وزمان!!
وللحديث بقية
للمزيد سيادة الرئيس السابق!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق