الاثنين، 7 فبراير 2011

ثوار.. وخونة!



أيمن عبد الرسول
لا أحد رزقه الله نعمة التعقُّل يمكن أن يكون ضد ثورة اللوتس المصرية التي بدأت قبل 25 يناير بعقود طويلة، تراكمت وجمعت روافدها على مدار ما بعد حركة الضباط الأحرار، ومن خلال حركات احتجاجية انفرادية وفئوية، فمنذ بدأت في مصرنا الغالية التظاهرات السلمية، والاحتجاجات المصلحية وبلادنا هيئت للثورة الشاملة، كانت مثل هذه الثورة من أحلام "صديقكم" منذ فترة المراهقة، وأيام النضال اليساري الأولى، وكلما تقدم بنا السن نركن إلى الحلم، ولا تعيننا مقدَّراتنا الشخصية على تحقيقه، ونكتب عن أن الحرية محنة، وليست منحة، ونرفض تأطير حرية المثقف من قبل السلطة طول الوقت، وأننا سابقًا لم نكن مؤهلين لدفع ثمن الحرية، وغيرها من الأحلام التي تحبطها عجلة الأيام، وسلطة الغشم وغشم السلطة، وولاءات المتربحين من خسائرنا، وخسائر الثابتين على درب الحرية، ومواقف العابثين بعقولنا، وعبث من لا يقبلوننا، كنا نحلم بمدنية تونس، وعلمانيتها، فسقطت أقنعة بن علي وسقط النظام، وأوحى لنا إمكانية إسقاط نظام كنا نحلم فقط بالمشاركة الفعالة في زعزعة قواعد دستوريته غير المستفتى عليها، وشرعيته التي اكتسبها بثورة يوليو، ثم حرب أكتوبر، فكان أن أسقط الشعب نظامه، خلال ثورة شعبية باركها ومنحها الشرعية دم الشهداء، ليسوا فقط الذين سقطوا خلال أسبوعين، ولكن ثمن الحرية الذي دفعناه على مدار 30 عامًا!
مات محمود أمين العالم، ونصر أبو زيد، وعبد العظيم أنيس، وفرج فودة، والشيخ خليل عبد الكريم، وغيرهم الكثير والكثير، وهم يحلمون بغد أفضل يصنعه الشعب، الشعب الذي ثار لإسقاط النظام، دون تحضير البديل، البديل الذي نختلف حوله الآن، ووضعنا غيابه أو الاتفاق عليه في مأزق الاختيار بين إخوان.. وخونة، الإخوان نعرف تاريخهم في مصر ونرى واقعهم في غزة، والسودان، وكل الدول التي رفعت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان (بالإنجليزي باك يعني خلف) وأفغانستان، وغيرها من التجارب المريرة التي تجاوزتها حقوق الإنسان، ومن زماااااااان!!
لا يخفى على أحد أن صديقكم علماني، كان وما زال ضد نظام مبارك لتورطه في اضطهاد الأقباط والبهائيين والشيعة وغيرهم.
وعندما يعلن النظام الذي سقطت شرعيته بالفعل عن حوار وطني مع المعارضة ويضع فيه جماعة الإخوان المحظورة على مائدة التفاوض، ولا يضع ممثلين عن الحزب الشيوعي المصري المحظور أيضًا، فبماذا نسميه، وبماذا نفسر غياب ممثلين عن الأقباط، وأليس من حقهم الآن المطالبة بحزب سياسي مسيحي، بعد اعتراف النظام الذي فقد صلاحيته في حفظ النظام، بالإخوان؟ وهو نفس النظام الذي يمنع دستوره قيام أحزاب دينية على أساس ديني؟
هذه واحدة، أما الأخرى فثمة غياب واضح لأي منظور استراتيجي لثورة اللوتس المصرية، وكأننا نحاول استنساخ ثورة تونس دون وعي بعمق الاختلاف بين بلد وبلد، ورئيس ورئيس، وعمق الهوة بين تونس التي تتعلمن رأسيًّا، ومصر التي تتأسلم أفقيًّا، التحليل العميق للحركة الاحتجاجية المصرية يقول إنها حركة معلمنة، وغير ممنهجة، لأن الثورة ليست هدفًا في حد ذاتها، وأبسط قراءة في تاريخ الاحتجاج على الطريقة المصرية كما كتبت في كتب ومقالات سابقة، أن الثورة هي طريق العبور من شرعية فقدت صلاحياتها إلى إرساء قواعد شرعيتها على شواطئ الدستورية.
البيانات التي عكسها الواقع المصري، خصوصًا في الخطاب الديني (إسلامي أو مسيحي) تؤكد تمسك تيار الإسلام السياسي بالمادة الثانية من الدستور، وتوضح تباينًا كاشفًا في التعامل السياسي مع ردة غضب شعب كامل، مثله 8 ملايين مواطن، حتى أننا الآن لا نعرف سوى أن الشعب يريد إسقاط النظام، والدخول في مرحلة انتقالية، وتشكيل حكومة ائتلافية، وتعديل الدستور، هذه المطالب التي اعترف بشرعيتها القاصي والداني، تؤكد أننا نتعامل مع انقسام حاد في تفهم طبيعة النظام السياسي بغض النظر عن شرعيته من عدمها.
فالنظام ليس شخص الرئيس، والدولة المصرية ليست مبارك، ولا يمكن غض الطرف عن بداية كشف النظام الذي يتخلص من أركانه الآن لفاسديه، وسوف نناقش فيما بعد مسألة التواطؤ على الفساد الذي عكس ظلاله في كل أرجاء المعمورة خلال فترة حكم العسكر بلباس مدني، من لدن محمد نجيب وحتى مبارك، ولنتفق أننا أمام ثورة على الفساد، وكأننا لم نطهر أنفسنا على مدى كل هذه الأعوام، ومارسنا صورًا من الفساد، لا محل لتحليلها الآن، ولكن النظام الذي هو ليس شخص الرئيس، يجمع حوله رجاله، الذين يتساقطون الآن واحدًا تلو الآخر، والتحليل السياسي يكشف أن هناك من ترتبط حياتهم ولا أقول فقط مصالحهم، ببقاء مبارك على هرم السلطة، وأن بعضًا من أولئك الخونة، هو الذي دبر موقعة الأربعاء الدامي، وهو الذي أو هم، إن شئت الدقة، الذين دبروا حالة الفوضى الأمنية التي خرج فيها مسجونون من سجونهم، ومحبوسون من أقسام الشرطة، وأعاشوا البلاد في رعب من جمعة الغضب، إلى ثلاثاء المسيرة المليونية، والتي أدت إلى نزول الرئيس من عليائه ليخيِّرنا بين الفوضى والاستقرار، ويعلن عدم ترشحه للرئاسة، وغيرها من بشائر نجاح الثورة، كان من مصلحة رجال الرئيس الذين يعرفون أنهم سيضحون كباش فدائه الأخير على مذبح النظام، أن يشككوا الشارع في مصداقية الرئيس، وكان أن نجحوا في شق الصف، ويجب محاكمتهم بتهمة الغباء السياسي، لأتهم فعلوا ما فعلوا، وخربوا ودمروا، وقتلوا مصداقًا لمقولة "عليَّ وعلى أعدائي"، فأحرجوا النظام الذي بدا يحاول إجراء إصلاحات داخلية تحت مظلته التي يراها شرعية.
علينا الآن أن نراقب ونشارك في محاكمة الفاسدين المفسدين، وأن نحوِّل نضالنا الثوري إلى آليات عمل لممارسة سياسية، نشارك في تعديل الدستور، ونستخرج بطاقات انتخابية، ونتمسك بحقنا في مواطنة كاملة غير منقوصة، وعلى المسلمين السنة الذين لا يجيزون الخروج على الحاكم الجائر تقديم مشروع سياسي، ينافس الإخوان الذين يعملون بمناهج شيعية تعكس التنوع الخلاق في الممارسة السياسية والانتهازية على الطريقة الإسلامية، وعلى الأقباط تشكيل لجنة لإعلان موقفهم من الكنيسة، وموقف الكنيسة الأرثوذكسية من المشاركة السياسية، في الخلفية لا بد من العمل على المواطنة والديمقراطية، وأن كل مصري، مؤيد أو معارض لسيناريوهات رحيل مبارك، من حقه الممارسة بفاعلية سياسية في هذه الأجواء التي لا يجود بمثلها التاريخ مرتين!
في النهاية كلنا نعمل من أجل مصر الاستقرار والتنمية والديمقراطية ولننحِّ اختلافاتنا في التفاصيل جانبًا، لنعبر بسلام ومحبة جسر الوطن إلى حيث تجتمع إرادة الشعب على هدف واحد، يعرفون ما بعده، وكيف يصلون إليه بمختلف الوسائل السلمية والدستورية المشروعة، وألا تفرقنا خلافاتنا، إنني أتحدث عن مصر لا عن نظام من البداهة السياسية أنه فقد صلاحيته للاستهلاك الشرعي والدستوري..
أما عن الإخوان وانتهازيتهم السياسية ورأي صديقكم في الديمقراطية، فهذا حديث شرحه يطول، والمستقبل لشباب صنع ثورته، ونظام جديد حلمنا به طويلاً، أخاف أن يعتدي عليه كل من هب ودب، باسم الديمقراطية العرجاء التي نسيناها من ندرتها في بلاد لم تزل ترى الحاكم ظل الله في أرضه، ومصدر الأمن والأمان، وموزع المنح والعطايا، لا شك أن مصرنا قبل 25 يناير، غيره بكثير.. ولكن إلى أين تتجه رياح التغيير، ستجيب ابنتي "آن" على هذا السؤال، فعمرها اليوم أربعة أيام!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق