أيمن عبد الرسول
إضرابات، احتجاجات، منتحرون لأسباب شخصية، مزايدون يتربصون بأمن البلاد، زعيم تجريبي يعلن عدم نزوله اليوم 25 يناير، بدعوى عدم خطف الأضواء من الشباب، وشباب مصدَّق نفسه يريد نقل النضال من صفحته على الفيس بوك، إلى صفحة الحوادث، عنف مجاني بين المواطن وأخيه المواطن، وعيد الشرطة المصرية، الذي بذل فيه جنود الشرطة البواسل أرواحهم في مقاومة الاحتلال، يحاول البعض تشويهها الآن ببعض تجاوزات أفراد من جهاز الشرطة، نتقاتل فيما بيننا، ونتحد فيما لا يجمع شملنا، وفي مقالي السابق هنا وعدتكم أن أكتب عن نظرية إشارة المرور قبل ما "أولع في نفسي" ولكنني لن أولع في نفسي، لا لأن الحياة - عدم اللا مؤاخذة - حلوة، ولكن لأن بلدنا تستحق منا كل جهد وروح ومحبة، رغم طلوع روحنا، ومع ذلك، وردًّا على سؤال نصه: لماذا لا يثور المصريون؟! كتبت السطور التالية علَّها تفسِّر بعض ما تيسَّر من الهم!
أخوكم "أيمن" كان يتبنَّى نظرية، لا يعرف إن كان قرأها في كتاب، أو نسجها من وحي الواقع المعيش، أسماها نظرية إشارة المرور في كيفية إدارة النظام عبر عهوده العسكرية من انقلاب يوليو وحتى وقتنا الراهن.. إلا أنها – تلك النظرية غامضة المصدر – تطوَّرت ووضعت لنفسها خططها في هيئة عنوان "نظرية إشارة المرور من التبرُّم صمتًا إلى التبرُّم صوتًا".. ونص النظرية: "إننا لو فرضنا – وهو واقع – أن أتوبيس هيئة نقل عام خرج سالمًا من حوادث النقل وتوقَّف في إشارة مرور ثقيلة الظل – وهم كثر – لا ينزعج الركاب المنحشرون في ذلك الصندوق الصفيحي المسمَّى أتوبيس، إلا أن زمن الإشارة في توقف الأتوبيس طال مدة عشر دقائق.. يبدأ الركاب، أو فرادى منهم في التبرُّم صمتًا، بالتعبير عن غضبهم بالنفخ.. ويشاركهم آخرون، ثم تطول مدة التوقُّف أكثر، فيبدأ أحد الركاب الشرفاء في سب الإشارة، وعطلتهم عن الوصول لأعمالهم، يلتقط منه الخيط راكب آخر شريف، أيضًا، ويقارن بين وضعهم في هذا الصندوق الصفيح وبين سيارات كبار رجال الدولة، أو رجال الأعمال، وحبذا لو كان معهم في نفس الإشارة الحمراء سيارة سبور – رياضية – مكشوفة يشعل سائقها الشاب سيجارة تعبيرًا عن تبرُّمه، يستغل الركاب هذا النموذج للتسخين – تفعيل خطاب الغضب، يتدخَّل عنصر مساعد – وتطول مدة وقوف الأتوبيس، وهنا يتضامن كل الركاب الشرفاء في الاحتجاج ويقرِّرون النزول من الأتوبيس إلى الشارع في معارضة للإشارة الحمرا.. وهنا تتدخَّل إرادة الله ليتغير لون الإشارة إلى الأصفر رغم أن أحدًا لم يعبر الطريق.. ومن ثم إلى اللون الأخضر.. ويتحرَّك الأتوبيس قبل وصول التبرُّم صوتًا إلى التبرُّم فعلاً.. والتبرُّم تعبير عن الغضب.. فماذا يحدث للركاب الذين وصل زمن التبرُّم صمتًا وفعلاً.. وصوتًا في التجربة السابقة إلى نصف الساعة؟!
نحتاج إلى نفس الزمن مرة أخرى لمعايشة نفس التجربة.. وهذه التجربة دليل عملي على أننا شعب ذو ذاكرة مثقوبة لأننا لا نتعلَّم بالتراكم.. ففي كل موسم غضب.. نحتاج نفس المحددات ولا نتعلم من تجاربنا السابقة، فهل أخفق النظام في نظرية "إشارة المرور" بنظامه الدقيق الصارم في تحديد التوقيت المناسب لفتح الإشارة؟!
وهكذا لا تنتهي هزائمنا التي نكرِّرها بحذافيرها، لا النظام يخطئ في موعد فتح الإشارة، ولا نحن تعلمنا أنه لا فائدة، رغم أن الزعيم الوفدي القديم سعد باشا زغلول قالها قبل ما يقابل وجه رب كريم: مفيش فايدة..!
فـ"تحية" إلى الداخلية المصرية، في عيدها وتحية لجموع الشعب الثائر بينه وبين نفسه، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وعبر الـ sms وهنيئًا للتجار الذين سيبيعون للمتظاهرين ملابس التظاهر وساندويتشاته، وزمزمياته، وخليك فرش.. إحنا في رحلة، همَّا عاملين نفسهم بيحتفلوا، واحنا عاملين نفسنا بنتظاهر، وربنا يستر والحرية ما تستهبلش وتعمل نفسها ثورة.. وكل سنة وحضراتكم طيبين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق