أيمن عبد الرسول
مَن في هذا العالم من حقه أن يفرض عليك رؤيته، وإن لم تستجِب لاحتكاره الحقيقة يهدّدك بالقتل؟! هل رأيت مثل هذا اليقين إلا في عيون الإرهابيين، ومقالاتهم، ومقابلاتهم التلفزيونية، الإرهابي يا سادة هو كل من يلوّح لك بالكلمة أو الفعل أو العنف بأنك على خطأ، وهذا الخطأ من وجهة نظره التي ليست بالضرورة صائبة، على العكس غالبًا ما تكون مختلة ومعتلة وعلاقتها بالعقل كعلاقة الحمار بدراسة الفلسفة!
إن الحملة التي نتعرض لها في مصر الآن بصفتنا علمانيين أو ليبراليين من فلول الإخوان والسلفيين، بل والعروبيين أيضًا على صفحات الصحف وفي فضائيات اتسعت برامجها لإثارة الفتن، هي شكل من أشكال الإرهاب، لا بد أن نواجهه ولا مواجهة للإرهاب إلا بالإرهاب، فبعد مقتل شيخ مشايخ الطرق الدموية أسامة بن لادن الموهوم بالحروب المقدسة، والذي لم يستخدم سلاحه ولا رجاله ضد مصالح تل أبيب، وكان يريد تحرير القدس عن طريق برجي التجارة العالميين، هذا الرجل الذي قدم للغرب كله خدمة العمر، بتشويهه للإسلام والمسلمين، ومات في الوقت الذي تتحرر فيه الشعوب العربية من بعض حكامها المستبدين، ووسط مد إسلامي مظهري غاية في الخطورة، سيلعب دور ملايين بن لادن، وتنظيم القاعدة في كل أنحاء العالم الإسلامي، وما يدور في كل أنحاء العالم كوم، وما تجري وقائعه على أرض مصر كوم آخر.
في أغسطس من العام الماضي أطلق مجهولون أربع رصاصات على الصديق الإعلامي نبيل شرف الدين وهو في طريقه إلى القاهرة من إحدى المدن الصحراوية، واستقرت رصاصتان في رأس المقعد المجاور له، وذهب لتحرير محضر بمباحث أمن الدولة التي نصحته وقتها بالتكتُّم على الموضوع لأسباب تتعلَّق بالقبض على الجناة، وتكتَّمنا الموضوع ولم نعلنه، وبعد مواجهة شرف الدين الأخيرة مع أبي يحيى، على قناة دريم مع وائل الإبراشي، بدأت المناوشات والتهديدات من قبل الإخوة "المتسلفِنين" ووصلت إلى رسائل على المحمول، وقلنا مقدور عليها، ومن يريد أن يقتل لا يهدد، أما أن تصل التهديدات إلى بيت أسرته بالصعيد، وتصل إلى أن تبلغها جماعة من "المتسلفِنين" إلى عائلته هناك، فهذه بجاحة ليست بعدها بجاحة، وما هو الاتهام الموجه إلى نبيل شرف الدين؟ تصور عزيزي القارئ، أنه "مزوِّدها حبتين في الدفاع عن الأقباط" تخيل! وأنه يجهر بالعلمانية، ويهاجم التيار "المتسلفِن".. وهل ثمة عاقل لا ينتقد التيارات المتسلفِنة؟!
نبيل شرف الدين يتعرض للإرهاب الفكري، منذ أول مواجهة مع أولئك المتسلفِنين، في حلقة سُجِّلت ولم تُذَع (بسبب ثورة يناير) مع أحد أقطابهم، ومعها بدأت حملة تشهير واسعة النطاق، قادها منهم الذين تعلَّموا في أمن الدولة آليات تكفير المخالفين لهم في الرأي، والقضية أنني اليوم أدافع عن حق نبيل شرف الدين في الحرية دفاعًا عن حريتي الشخصية، وحرية كل علماني وليبرالي مصري مسلمًا كان أو مسيحيًّا، ضد الإرهاب، كل أشكال الإرهاب التي تبدأ بالتحريض ضد الفكرة أو الشخص، وتنتهي بالدم.. وأكاد أجزم في التعامل مع هذه الأشكال من الإرهاب، بأن "الإرهاب هو الحل!".
لا يمكن الحديث بالعقل مع قاتل ومجرم، ولا يمكن إقناع إرهابي يعتقد أنه يملك توكيلاً إلهيًّا لهداية البشر إلى الجنة ـ عدم اللا مؤاخذةـ ولو بالـ"جزمة"!! والدال على القتل كفاعله تمامًا، وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة عاقب شخصًا بالسجن 3 سنوات للتحريض ضد المؤسسة العسكرية فأولى برعاة الدولة المدنية، أن يقوموا بسجن ومعاقبة كل من يُحرض على بث الكراهية بين المواطنين بدعوى أنهم كفار، والذين يستغلون فتاوى الدين العظيم ونصوصه الراقية في الصراعات السياسية، لا بد أن تجرم القوانين الحاسمة كل تحريض يستغل الدين في ساحة العمل السياسي!
أما لماذا نقول إن الإرهاب هو الحل، فلأن بن لادن لا سامحه الله، كان إرهابيًّا يتحدى دولة، ويتحدث باسم الإسلام واستخدمت ضده الدولة نفس السلاح، فأعلنت الحرب على الإرهاب، فكان إرهابها للدول التي حاربت الإرهاب فيها، إرهابًا شرعيًّا من جهة المواثيق الدولية، وإرهاب بن لادن وتنظيمه وكل متعاطف معه عبر العالم، والمتواطئين معه بالصمت المُبارِك لدموية عملياته، إرهاب شرعي من وجهة نظر إسلامية مستندة إلى نصوص منتزعة من سياقها، أو تم تأويلها في سبيل إهدار دم كل من يختلف مع رؤية السلفية الجهادية للإسلام، ومفاهيم الجهاد بين جهاد الدفع وجهاد الطلب!
كيف أتعامل مع تهديد بالقتل؟
وهل أصبح مجرمًا إذا أهملت قلمي وحملت سلاحي في مواجهة خفافيش الظلام دفاعًا عن الحق في حياة بلا إرهاب؟
متى يصبح القتل دفاعًا عن النفس فريضة على مثقف قال ربي الله ثم اجتهد، بينما يجتهد الإرهابي في تطوير أدوات هجومه عليك وعلى تدينك، وعلمك وثقافتك ومعرفتك.. أنا حر في نقد فساد بعض المسلمين وتطرفهم، ولست حرًّا في اتهامهم بالإرهاب دون دليل، وكذلك المختلف معي إذا لم يتجاوز حدود النقاش العلمي والاختلاف البنَّاء الهادئ ولم يلوح لي بسيف تكفيره، من الممكن أن أحترم تفكيره، لكن إذا ما حرض ضدي، وأرهبني حتى لا أكشف سوء منطقه، ولا عقلانية طرحه، وإذا استغل المنبر للدعاء على المختلفين معه، كما يفعل أغلب دعاة التيار المتسلفِن، فلا بد من محاسبته لأن الإرهاب يبدأ فكرًا، ولا يفلّ الحديد إلا الحديد، والحديث عن حرية الرأي للمحرضين على القتل من فوق منابرنا، شكل من أشكال السفه الليبرالي، فكيف تؤمِّن حرية التعبير لعشاق صورة الدم، الذين يعلِّمون أطفالهم الوقوف لرؤية مشهد الذبح في عيد الضحية، حتى يعتادوا رؤية الدماء، ولا يهابون القتل.. لا تهاون مع من يتمنَّى سحقك من الوجود وهو يبتسم ابتسامة الشهيد، الذي يدفع من دمك أنت فاتورة دخوله الجنة على جثَّتِك!!
وختامًا:
"قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". (هود: 88).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق