السبت، 30 أبريل 2011

عفوًا نائب "المُضل" العام!


أيمن عبد الرسول
حفظت كتاب الله في الصغر، ودرست تفاسيره في الكبر، وتخصصت في الفلسفة الإسلامية من أجل الدفاع عن العقائد الإسلامية بأدلة عقلية ولم أقرأ آية واحدة تقول إن نقد جماعة الإخوان المسلمين تُخرج فاعلها عن الملَّة، ولم أقرأ في كل كتب الفرق والملل والنحل الإسلامية وصفًا لرئيس عصابة اسمه المرشد العام للجماعة، ولم أعرف أبدًا أبدًا أن جماعة تملك من الجرأة على دين الله ما تملكه جماعة الإخوان المسلمين، حتى وهي قاب قوسين أو أدنى من العرش بفضل ثورة 25 يناير المباركة، وهي تسقط أقنعتها كل يوم، يتحدثون عن التسامح ويكفِّرون منتقديهم، يتحدثون عن المواطنة ويلعنون الأقباط والليبراليين والعلمانيين، نهجهم طوال 83 عامًا وهم يقولون ما لا يفعلون، وبعد ثورة يناير شهد خطاب جماعة الإخوان تطورا خطيرًا ضد معارضيها عبر تصريحات ومقالات قيادات الجماعة على الموقع الرسمي لها بلغ حد تكفير الآخر فشنَّ د. رشاد البيومي نائب مرشد الجماعة حربًا على كتَّاب الرأي المخالفين لفكر الجماعة قائلاً: هؤلاء الكتَّاب والصحف الصفراء يعادون الإسلام ويروِّجون الافتراءات الباطلة كاشفين عن حقد دفين في قلوبهم وأفئدتهم التي أعلنت عن عدائها السافر للإسلام والمسلمين.
قبلها قال أحدهم إننا ننتظر امتلاك الأرض حتى نطبق الحدود، قبلها قال أحدهم: ليه الناس بتخاف لما نقول حكم إسلامي، وهددنا "اللي عنده حساسية من القرآن يقولها بصراحة" ولم يقل لنا ماذا سيفعل مع من لديه حساسية من القرآن، يمكننا القول بأننا أمام أحط تيار سياسي ابتُليَت به مصر، وهو المصدر الرئيسي لكل الحركات الإرهابية على مستوى العالم، فكل إرهابي مسلم تربطه صلة وثيقة بمن قال عنهم حسن البنا، ولا نعرف من سماه إمامًا، ولا من قتله إذا كان قائد جناحه العسكري "النظام الخاص" عبد الرحمن السندي أم غيره، وخصوصًا أن السندي الإرهابي الاحترافي فجَّر زميله وأخاه في الجماعة سيد فايز عندما فصله البنا من قيادة التنظيم السري.
ونعود إلى التاريخ لنتهمهم بما هو فيهم، ففي الثاني والعشرين من مارس 1948.. قام التنظيم السري باغتيال قاضٍ مدني وهو القاضي أحمد بك الخازندار وهو يعبر الطريق على يد عضوي الجماعة حسين عبد الحافظ ومحمود زينهم اللذين عوقبا بالأشغال الشاقة المؤبدة لكليهما.. وقد تم اغتيال القاضي بعدما حكم في قضية كان أحد أطرافها عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين.
برئاسة الدكتور عبد العزيز كامل عقدت الجماعة جلسة محاكمة لعبد الرحمن السندي المسؤول الأول عن التنظيم السري - الذي يتلقى أوامره من المرشد العام حسن البنا مباشرة – وحينما سألوا السندي هل تلقيت أمرًا بقتل القاضي أحمد الخازندار فقال أنا سمعت فضيلة المرشد يقول: "لو كان ربنا يريحنا منه.. وأهو ربنا ريحنا منه عن طريق الجهاز"، أنا ظننت أن فعلاً كهذا سيسعد فضيلته، فاتجهوا لفضيلة المرشد فأجهش فضيلة المرشد حسن البنا بالبكاء لأن الرجل كان قد فهمه خطأ، وذكر محمد فريد عبد الخالق الذراع اليمنى لحسن البنا أنه لم يرَ المرشد مهمومًا طيلة حياته مثل هذه اللحظات، فقالوا لعبد الرحمن السندي لا تنفذ أي عمليات في المستقبل إلا بأمر من المرشد العام شخصيًّا أو أمر بموافقة الخمسة الأعضاء وحكمت الجماعة بدفع الدية لأسرة المقتول وأقروا في نفس الجلسة أن الحكومة عليها دفع هذه الدية لأنها من أموال الشعب وأغلق الموضوع.. وخرج حسن البنا مرشد عام الإخوان المسلمين والمرشح الأول لمنصب خليفة المسلمين في حال قيام دولة الخلافة في لقاء الثلاثاء وهو لقائه بالجماعة من كل أسبوع ليخطب فيهم خطبة تقوي إيمانهم، وأنكر قيام الجماعة باغتيال القاضي أحمد الخازندار … إلى أن أُثبِتت التهمة وتم الحكم على الفاعلين بعد خمسة أشهر.
في الخامس عشر من نوفمبر 1948 أمسكت الشرطة سيارة جيب بها مستندات تخص جماعة الإخوان المسلمين.. عبارة عن مخطَّطات تفجير سفارتي أمريكا وبريطانيا وأماكن أخرى.. ومستندات كل عمليات التفجير التي تمت في الآونة الأخيرة، فضلاً عن بعض القنابل والمتفجرات.. والأهم من ذلك القبض على ثلاثة من رجال الإخوان كان أهمهم مصطفى مشهور أحد الخمسة المؤسسين والمسؤولين عن التنظيم السري بالإضافة إلى أحمد عادل كمال وآخر.
 في الرابع من ديسمبر 1948 جرت مظاهرة بكلية الطب بجامعة فؤاد (القاهرة) فقاد اللواء سليم زكي - حكيمدار شرطة القاهرة - قوات الأمن لفض المظاهرة.. وإذا بطالب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين يلقي عليه بقنبلة من الطابق الرابع فسقطت أمامه فمات على الفور.. وكما يقول محمود الصباغ في تبريره لتلك الواقعة: "كان إلقاء القنابل في المظاهرات من جانب المتظاهرين في هذه الأيام أمرًا عاديًا".. اشتعل الموقف بعد هذا الحادث بين الحكومة السعدية والإخوان مما دعا حسن البنا أن يطلب من رئيس مجلس النواب حامد جودة في نفس اليوم التوسط لدى محمود النقراشي باشا رئيس الوزراء لبدء صفحة جديدة بين الجماعة والوزارة.. لكن جودة رفض مطلبه... حاول البنا الاتصال بالملك فاروق أو بإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي في محاولة لاحتواء الأزمة.. ولكن دون فائدة.
 في السادس من ديسمبر 1948 أي بعد يومين من الحادث صدر الأمر بإغلاق صحيفة الإخوان … وفي نفس اليوم خرجت جريدة الأساس.. جريدة الحزب الحاكم بعنوان.. "أخبار سارة ستذاع قريبًا".. فساد التوتر تصرفات الجماعة وحاول حسن البنا فعل أي شيء لإنقاذ الموقف بعدما شعر بخطورته.. ولكن دون فائدة.
 في الثامن من ديسمبر 1948 أي بعد يومين آخرين وبالتحديد في الساعة العاشرة مساءً اتصل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية بالمرشد حسن البنا ليبشره بأن أخبارًا سارة ستذاع في الراديو بعد قليل من شأنها إنقاذ الموقف.. فشكره حسن البنا.
 تجمع قادة الجماعة ومعظم المنتمين لها بالمقر العام بالدرب الأحمر - بقلب القاهره – وإلتفوا جميعًا حول الراديو … في إنتظار الأخبار التي سيذيعها الراديو.
في الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الثامن من ديسمبر 1948 أذاع راديو القاهره أمر الحاكم العسكري العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد ومصادرة أموالها وممتلكاتها.
 بعد أقل من عشر دقائق خرج الإخوان من المقر العام فوجدوا أن المكان قد تم حصاره من جميع الجهات وأنهم وقعوا في الفخ وتم القبض عليهم جميعًا …. ما عدا حسن البنا.. المرشد العام ومؤسس الجماعة.
 شعر حسن البنا بأن مؤامرة أخرى تحاك ضده ويحتاجونه وحيدًا ولذلك لم يقبضوا عليه.. فحاول التشبث بسيارة الشرطة وتوسل إليهم ليقبضوا عليه مع باقي أفراد الجماعة… لكنهم أبعدوه.
وكما قال محمد فريد عبد الخالق.. إن حسن البنا طلب من الحكومة طلبًا رسميًّا بأن يعتقلوه بصفته رئيس الجماعة وهو المسؤول الأول عن الجماعة بعدما شعر بالخطر.. ولكن طلبه قوبل بالرفض.
قرر الإخوان المسلمين الانتقام من النقراشي باشا رئيس الوزراء ردًّا على قرار حل الجماعة والذي رأوا فيه اعتداء على الدين واعتداء على شرع الله - حسبما ذكر ممثل الادعاء عبد الله رشوان.. كما أنهم رأوا أن قرار حل الإخوان لا يصدر عن مؤمن- كما ذكر محمود الصباغ أحد قادة التنظيم السري، وأنهم رأوا أن شخصًا مثل النقراشي باشا بكل هذا الطيش والعناد وعدم ملاحظة الاعتبارات لا بد أن يزاح عن الطريق بأي ثمن.. كما قال جمال البنا الشقيق الأصغر لحسن البنا.
كان محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الحزب السعدي ورئيس الوزراء والحاكم العسكري العام فضلاً عن كونه وزير الداخلية ووزير المالية في وزارته.. قد شعر بالخطر فبدأ يشدد الحراسات حوله تحسبًا لفعل إخواني كردة فعل على قرار حل الجماعة.
 ولم يشأ العام أن ينتهي بكل هذه الكوارث فقط.. ففي العاشرة من صباح يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ديسمبر 1948 وفي بهو وزارة الداخلية تنكر شاب من شباب الإخوان المسلمين في زي ضابط وقام بإطلاق الرصاص على النقراشي باشا بين أفراد حراسته فأرداه قتيلاً.
 زاد الاحتقان بين الجماعة وكل الناس تقريبًا.. فالجميع يلتزم الصمت في ترقب وانتظار لحادث إرهابي جديد من الإخوان.. تم حصار المرشد العام حسن البنا في بيته.. ثم تم القبض على عبد الرحمن السندي مسؤول النظام الخاص.. وتولى سيد فايز مسؤولية النظام الخاص.
في صباح يوم الثالث عشر من يناير 1949 قام شفيق أنس أحد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بحمل حقيبة وذهب بها إلى محكمة الاستئناف بباب الخلق بوسط القاهرة.. وادعى بأنه مندوب من إحدى مناطق الأرياف جاء بقضايا للعرض على النائب العام.. وترك الحقيبة في المكتب بداخل المحكمة وذهب بحجة تناول الإفطار.. وبعدما غادر المكتب بدأت شكوك الموظفين بالمكتب حول الحقيبة.. فتم استدعاء الأمن.. أخذوا الحقيبة خارج المحكمة وانفجرت بالشارع العام.. وبعد القبض على شفيق أنس اعترف بأن الغرض من التفجير كان نسف المحكمة وذلك للتخلص من أوراق ومستندات قضية السيارة الجيب … وكان ذلك بأمر من سيد فايز مسؤول التنظيم.
 قام عبد العزيز باشا علي ومصطفى بك مرعي بزيارة المرشد العام حسن البنا في بيته – حسبما أورد رفعت السعيد - ولا يعلم ما دار بينهم إلا الله.. فخرج حسن البنا في اليوم التالي ببيان تم توزيعه في الصحف يقول فيه حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين … ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين … واصفًا رجال التنظيم السري أو الجهاز الخاص الذي أنشأه البنا بنفسه قبل أكثر من عشر سنوات هي عمر أعمال الإرهاب والعنف بمصر على يد هذا التنظيم.
 وكان من الطبيعي أن تفكر كل الأطراف في التخلص من حسن البنا.. وقد كان.
 السؤال: ما هدف جماعة الإخوان المسلمين الذي قامت من أجله؟ الإصلاح أم إرهاب الآخر وفرض الرأي عليه بالقوة؟ حوار العقل أم حوار المدافع؟ ثقافة الدين أم ثقافة الدم؟ إن كان الغرض هو الإصلاح.. فلماذا تم إنشاء التنظيم السري أصلاً.. لماذا تم إنشاء وحدة عسكرية داخل تنظيم ديني دعوي إصلاحي؟ النظام الخاص لم يكن يستطيع تنفيذ أي عمليه دون علم وأمر من المرشد العام.. فقد أورد خالد محيي الدين بأن عبد الرحمن السندي المسؤول الأول عن التنظيم السري قال له: "أنت تتلقى الأوامر مني وأنا آخذها من المرشد رأسًا"، وكان ذلك في جلسة حلف اليمين التي رافقه فيها جمال عبد الناصر. إذًا المرشد يعلم بكل شيء، بل هو صاحب الأوامر.. إن كانوا دعاة للخير فلماذا يقتلون كل من اختلف معهم أو حاول حتى أن يختلف معهم؟ إن كان المرشد هو من يعطي الأوامر بالقتل في سبيل الوصول للسلطة.. فلماذا قال عن رجاله الأشداء.. ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين؟!
ما أشبه اليوم بالبارحة.. يبدؤون بتكفيرنا ثم يتهمون الآخرين باغتيالنا في القريب العاجل!!
وختامًا:
إذا ما ضاق صدرك من بلاد .. ترحَّل طالبًا بلدًا سواه
عجبت لمن يقيم بأرض ذلٍّ .. وأرض الله واسعة فضاها
فذاك من الرجال قليل عقل .. بليد ليس يدري ما طحاها
فنفسك فز بها إن خفت ضيمًا .. وخلِّ الدار ينعى من بناها
فإنك واجد أرضا بأرض .. ونفسك لا تجد نفسا سواها
مشيناها خطى كتبت علينا .. ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيّته بأرض .. فليس يموت في أرض سواها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق