أيمن عبد الرسول
ما يجري في مصر الآن من احتقانات طائفية وانفلات أمني وبلطجة، متزامنة مع محاكمة رموز فساد العهد البائد، وإطلاق السلفيين من قمم العمل الدعوي إلى براح الملعب السياسي، يجعلني أقف متأملاً المشهد الحالي متحدثًا إلى نفسي ومن حولي بدهشة لا تليق بباحث أو كاتب صحفي قضى أغلب عمره بين الناس، وكوَّن انطباعات مستفزة عن طبائع المصريين والاستبداد معًا.
وأعلن أن كل ما تخيَّلته من سيناريوهات ما بعد مبارك يحدث وبسرعة تليق بإيقاع لم أتصوَّره في الحقيقة، من أول الأحداث الطائفية، إلى مظاهرات السفارة الإسرائيلية، والزحف إلى غزة، ومظاهرات بعض الأقباط أمام السفارة الأميركية ومطالبتهم لحماية دولية، بل وحتى ترك نبيل العربي لوزارة الخارجية إلى الجامعة العربية، لدرجة أنني أحاول عدم الكتابة خوفًا مما قد تثيره من أزمات، وينصحني أصدقاء مقربون بأن "أخف شوية" لأني صادم "حبتين" من وجهة نظرهم، ولكنني لم أزل أحاول التحلي بضبط النفس أمام عدد من القضايا الساخنة.
عندما يندهش المصري من فعال بعض مواطنيه، يتعجب قائلاً: "يا ولاد الإيه؟!".. وربما يضيف "عملتوها ازاي دي".. دون توضيح لما هي "الإيه" التي هي أم الـ"ولاد"، وربما يتلقى ولاد الإيه الأمر بسعادة غامرة فيردون عليك بقولهم: "بس إيه رأيك؟!" رغم أنك قلته بالفعل، ودون لبس أو غموض، إلا أنها الرغبة المصرية العميقة في "اللت والعجن"!
أزعم أن مشكلتنا كمصريين أن كلنا نحاول الحصول على لقب "ابن الإيه" من خلال الجدل غير المنتج، تحت دعوى حرية الرأي والتعبير، ووجهة النظر التي غالبًا تستند إلى الشائعة بدل المعلومة، والفهلوة بدل الفهم، أو المفهومية بدل التحليل، والتحايل بدل التخيل، وهكذا، مشكلتنا أننا من كل حواراتنا لا نريد حلاًّ، بل نريد جدلاً لا ينتهي كل منا فيه يحاول تسفيه الآخر وتعظيم رأيه حتى لو كان جاهلاً بأبسط معلومات موضوع الحوار!
"ولاد الإيه" السلفيون على اختلاف مشاربهم أدهشونا بعرض استربتيز ديني رائع وهم يلخِّصون قضايا الوطن في الصراع على الـ"نسوان" الأسيرات، وزرع ألغام الطائفية أمام الكنائس، وتصحيح العقيدة السلفية بهدم الأضرحة، وتكفير المتصوِّفة والشيعة والبهائيين والعلمانيين والليبراليين واليساريين.. ما نقول كل ما عداهم ـ من الاستثناء لا العداء ـ فهم صناع العداء، وهم يقولون ما لا يفعلون..
و"ولاد الإيه" اللي ـ عدم اللا مؤاخذة ـ عملوا الهوجة التي سميناها كعادتنا في الدلع المصري لأسماء الهزيمة ودلعها نكسة، وحركة الضباط الأحرار، وتدليلها مجلس قيادة الثورة.. فسمينا الهوجة ثورة عظيمة، بل وبلغ العته ببعض ولاد الإيه أن يصفوها بأعظم ثورة عرفتها البشرية، المهم أن ولاد الإيه الأولانيين زي ما يكونوا عملوها وهربوا، لا حس ولا خبر، مات الكلام، واللي عايز يلعب يلعب، وكأنهم كانوا مُستأجرين في "مقاولة" محددة هي إسقاط نظام مبارك، هَدَد وبس مش هَدَد وبُنا عدم اللا مؤاخذة!!
وولاد الإيه التالتين اللي مقدرش أسميهم، الذين عملوا فيها حماة الثورة، كل شوية يعايرونا بموقفهم، ويستنكرون نقدنا لهم، وكأنهم يمنون علينا، ويتركون حبل الفوضى على غارب الخراب، حتى نتوسل لهم بالدم والدموع أن يحكمونا، ولا يقومون بدورهم سواء في حماية الثورة، أو بالضرب بيد من حديد على مخالفي القانون، والمجرمين، ونحن مشغولون بقضايا تافهة وفرعية، مثل عبير وكاميليا، وكل شوية واحد من مجاذيب الست التي تأسلمت بعد مسيحيتها، يتظاهر أمام كنيسة ويصرخ وا إسلاماه.. وتبعها: الكنيسة دي فيها فيل.. كان مسيحي وأسلم وجنينة الحيوانات سلمته للكنيسة!
أما الإخوان المحظوظون، "ولاد الإيه" الكبار بقى، اللي كل الطرق تؤدي إلى مصلحتهم، والحوادث الطائفية المنسوبة للأقباط والسلفيين تصب في مصلحة مظهر اعتدالهم واعتدال منظرهم، وتباطؤ الحكومة يصب في صالح قضائهم لحوائج الناس وفي النهاية يؤكد كبيرهم الذي علمهم "السحر" يطمئننا كمصريين بأن الجماعة لن ترفع سيفها في وجه أبناء مصر "لا والله" متشكرين يا معلم، واحنا آسفين يا "سلاح".. وليه أصلاً تشيل سيف يا مولانا ثم تطمئننا أنك لن توجهه إلى صدورنا، ومن يضمن لنا صدقك؟!
وتعالوا مع بعضينا، نفهم الأمر وما فيه، الكنيسة الأرثوذكسية تتغابى، فتتحدث عن كاميليا بكل بجاحة، والسلفيون يستغبون فيطلبون أختهم، التي غابت عن الأنظار 6 أشهر، ثم تظهر فجأة في حوار مستفز، وتقول إنها لم تفكر في الإسلام، وأن أحدًا ليس من حقه السؤال عن مكانها، وتنفي احتجاز الكنيسة لها، وفي الوقت نفسه تظهر كاميليا جديدة في إمبابة اسمها عبير، وتشتعل الأحداث، "يا ولاد الإيه" عملتوها ازاي دي؟!
الأمر وما فيه أننا نفتقد الشفافية، ولا نحب من يعمل كأنه مرآتنا ويكشف فضائحنا، ونموت في اللي يأكلنا "الأونطة" نعشقه.. اتفضل يا شعب مصر العظيم كل "أونطة" من كل "ولاد الإيه" أما أنا فالطبيب منعني من أكل الأونطة بعد ثلاثين عامًا من عُسر هضمها!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق