أيمن عبد الرسول |
تنتاب صديقكم الكوابيس، وتحيلني إلى أيام بعيدة، كنا فيها طلابًا جامعيين، وكان زملاؤنا الإقليميين يكتبون فينا التقارير لأمن الدولة، الذي سمعت أنه يجنِّد بعضهم في المدن الجامعية لقاء جنيهات معدودات، وقتها وقد كنت طالبًا بالفرقة الثانية بآداب فلسفة، جامعة الإسكندرية، كتبت مقالة طويلة شويتين في 32 صفحة فلوسكاب، لم أكن أقتني آلة كاتبة، وكانت بعنوان "دفاعًا عن العلمانية" ضدهم لا ضد الدين، وكانت عبارة عن هجوم حاد، وبأدلة سجالية على التيارات الإسلام ـ سياسية، ودفاع فلسفي، علمي، عن الفكرة العلمانية، وكان من بين الزملاء من اهتم بهذه الدراسة التي لم تنشر حتى اليوم، وإن كنت هذَّبتها ووزَّعت نقاطها عبر كتابَيَّ وعدة دراسات، نشرت هنا وهناك، المهم ليس هذه الدراسة الآن، ولكن موقف الزملاء الصعايدة الذين قرَّروا تصويرها وقراءتها في المدينة الجامعية، وجاؤوا يحذرونني من غضبة الإسلاميين لدين الله، الذي لم أتعرض له بنقد في المقالة، فقد كانت ضدهم (رجال الدين) لا ضد الدين، ولأنني من خلفية تراثية، وخطبت على المنبر في سن مبكرة، وعرفت الإسلام عن قرب وممارسة، فمن عباءة السلفية العلمية خرجت، إلى العلمانية، فقد كنت محترفًا في تناول التاريخ الإسلامي بالنقد، لا عقائد المسلمين، رغم أنني كنت أدرس الفلسفة بغرض التخصُّص في الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، أي صميم الدفاع عن العقائد بالأدلة العقلية، وفي تلك السن كنت أكتب في بعض الصحف المصرية والعربية، وأصنع جدلاً بما تعلمته من التراث، كان جدلاً أدعي أنه منتج في مناخ مصري، يعاني ويلات الإرهاب (منتصف التسعينيات) من القرن المنفلت! ولم أجد بين تيارات السياسة في الجامعة يساند مشروعي المبتدئ، سوى اتحاد الطلاب التقدميين، التابع لحزب التجمُّع اليساري، ونشرت لي مجلة "أدب ونقد" دراسة بعنوان "من مخلَّفات التراث الإرعابي في الإسلام: حد الردة" ووجدت في اليسار المصري ضالتي، ولم أُنظَّم حزبيًّا وقتها، لأسباب تتعلَّق باستقلال المثقف، وكارنيه عضوية الحزب الوطني الديمقراطي منذ 1994، لم أجدِّده بعدها، وله ظروفه الخاصة بخدمة جار لنا عن طريق نائب دائرتنا عن الحزب الوطني، ما علينا، ولا أروي لكم هذه التفاصيل إلا كمدخل لمناقشة صعود التيار الإخواني في مصر، عبر سنوات طوال، كان صديقكم فيها يبحث عن موطئ لقدم على الساحة الإعلامية، وكنا وقتها ندخل إلى المهنة بموهبة الكتابة، لا التسجيل مع المصادر والباقي على الديسك ومدير التحرير، وبدأت رحلتي المتواضعة مع الكتابة الصحفية المناهضة للإسلام السياسي، ومكافحة الإرهاب الفكري باسم الله، وعبر تلك السنوات عملت باحثًا بمركز متخصِّص لدراسة الحركات الإسلامية، وعايشت عبر الملفات والوثائق جرائم تنظيم القاعدة، عبر العالم وجرائم الإخوان الموثَّقة، عبر التاريخ، لدرجة أنني أشعر بأن أية كتابة عن تيار الإخوان المسلمين هي نوع من التكرار الممل، فهم فعلاً أصل كل التنظيمات الإرهابية التي تتحدَّث باسم الإسلام في كل أنحاء العالم، ففي بدء العنف، كان الإخوان، ومن خلال الأحداث الجارية على أرض مصر الآن، وأنا أرى صعود الجماعة التدريجي من رفضهم المشاركة قبل 25 يناير، إلى الإفراج عن حزب الوسط الجديد لوكيل مؤسسيه المهندس أبو العلا ماضي الذي انشق عن الإخوان في انقسام 1994، وتقليد القوات المسلحة الباسلة للمستشار طارق البشري مهمة ترأس لجنة التعديلات الدستورية، بعضوية صبحي صالح، ثم اعتلاء منصة جمعة النصر من قِبَل يوسف القرضاوي، ثم تحوُّل الجماعة من المحظورة إلى المحظوظة، بدعوى أنها كانت الأكثر عرضة للقمع في عهد مبارك، ونسينا الـ88 مقعدًا التي فازوا بها في مجلس الشعب 2005 والتي تزامنت وبغير المصادفة مع استيلاء حماس على السلطة في غزة، ووسط مخاطر الفوضى التي نعيشها الآن لأنه لم يكن هناك تيارات سياسية فاعلة على الساحة طوال عهد مبارك، غير الحزب الوطني بحكم طبيعته المتنفِّذة، والإخوان بحكم عدائهم للحزب الوطني، وبُعد القوات المسلحة عن السياسة مع ميول تديُّن طبيعية في نفوس أفرادها البواسل، ومع دفاع الليبراليين عن حق الإخوان في ممارسة العمل السياسي، ومخاوف الكثيرين من "الغُشم السياسي" لأغلبية معتبرة من المصريين، كل هذه الكوابيس تجعلني أتخيل سيناريو مرعبًا بعد خروج خيرت الشاطر من المعتقل متأبطًا ذراع حسن مالك، وتصريحات الكتاتني المستولية على الثورة، وعصام العريان حول أن المادة الثانية من الدستور المصري مادة فوق دستورية، ثم تباكيه على عدم إلغاء المادة الخامسة المتعلِّقة بحظر قيام أحزاب على أساس ديني، وغيرها من مظاهر "أخونة" السياسة المصرية، التي ظهرت بعد الثورة الينايرية العظيمة تجعلني أعود إلى مقال قديم، عن "الإخوان المسلمين بين الأمني والسياسي" أسترجع معكم فقرات منه، في سبيل التحذير من أن يتحوَّل مستقبل الجماعة الإرهابية الأم "من البُرش إلى العرش"! فالمتابع لتاريخ الجماعة المحظورة، رغم انتشار دعاتها والموالين لها في كل أرض مصر -سواء كانوا أعضاء أو أصدقاء أو متعاطفين، سيلحظ إذا تحلَّى بشيء من الحياد للوطن لا مصالحه الشخصية- أن منهج الجماعة في التعامل مع الحكومات المصرية المتعاقبة من لدن حكومة صدقي باشا إلى آخر حكومات عهد الرئيس السابق مبارك، لم يتغير رغم تغيير الزمان وأساليب إدارة اللعبة السياسية - الإصرار على العمل تحت الأرض رغم عدم حظر اللعب في النور، ويتعلل منظرو الجماعة إن كان لديهم منظرون، بأن تحويل النظام لملف الجماعة من ملف سياسي إلى ملف أمني هو السبب، مع الحرص على عدم توضيح دور الإخوان في هذه اللعبة، فالإخوان دائمًا ما يحبون لعب دور المفعول به، من قبل النظام وأمام الناس، ولكن لأنهم يحبون إحراج النظام أيضًا فهم يبررون لعب النظام معهم - بمنطقهم- بخوف النظام منهم وأنهم يشكلون قوى من شأنها إحراج النظام المصري أمام العالم حيال الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى الجانب الآخر لا يعي مدَّعو الديمقراطية في مصر، أنهم إذ يدافعون عن حق الإخوان في الوجود السياسي العلني إنما يحرجون الإخوان لا النظام! كيف؟! أولاً: الكل يعرف أن ملف الإخوان لم يتحوَّل من سياسي إلى أمني، إلا بعد تجربة مُرة عاشها المجتمع المصري كان الإخوان فيها قد بلغوا من تقويض دعائم المجتمع المدني فيها مبلغًا عظيمًا، وتم لهم ولأعوانهم المتحالفين معهم ضد النظام والمجتمع معًا السيطرة علي أندية أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية، والنقابات المهنية، والنوادي والجمعيات، باختصار تم للإخوان حلم الاختراق المجتمعي عن طريق خطة التقويض التي أعدها الطبيب عبد المنعم أبو الفتوح، تزامنًا مع خطة التمكين الاقتصادي التي صاغها المهندس الشاطر خيرت! ثانيًا: ماذا كان ينتظر الإخوان من النظام وهو يرى أناسًا أخرجهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات من السجون ليتآمر بعض الخارجين منهم على قتل الرئيس؟! وكيف لم يتأثر مبارك بهذه الخلفية، وتعامل مع دعاتهم على ما يعلنون لا ما يبطنون، فإذا ادعوا أنهم فصيل سياسي لم يكذبهم ودخلوا معترك الحياة السياسية المصرية تحت شعار "الإسلام هو الحل" وأقاموا التحالفات مع الوفد والعمل وغيرهما من القوى الوطنية ذات الغطاء الحزبي الشرعي، ولم يتعرَّض لرجالهم أحد من رجال الأمن ولا السياسة، بل وصل الأمر بأن الإخوان وملفهم تابع لرياسة الجمهورية لا لأي جهة أخرى ونسينا أو حاولنا أن ننسى التراث الدموي للإخوان من النظام الخاص إلى اتهامات طالت قائده المغضوب عليه عبد الرحمن السندي باغتيال مرشدهم العام الأول والمؤسس حسن البنا في 1949، حاولنا نسيان أنهم كانوا يدبرون حوادث الاغتيالات، ثم يصدرون بيانات التبرؤ منها فيدفعون مرتكبيها إلى الجنون لأنهم بعد أن نفَّذوا الأوامر يوصفوا بأنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين! ثالثًا: ماذا فعل الإخوان المسلمون الذين لا يقرون بما عدا انتمائهم للإسلام، وبالتالي يحلمون طول الوقت بإعلان مصر الإسلامية، والتخلُّص من مصر المدنية العلمانية؟! لقد أعدوا العدة لاستلام كل أرض مصر وتوزيع الغنائم على الفائزين من المخلصين للفكرة الإسلامية وبدأ حزب العمل الذي كان اشتراكيًّا في وضع حكومة ظل للإخوان وتم توفير المال اللازم لإعلان الثورة الإسلامية على الطريقة الخومينية، هنا في مصر مستغلين ما حققوه من إنجازات في جناحي الخطة بين التقويض والتمكين، إلى أن كشفت المفارقة الأمنية عن قضية سلسبيل، وكانت قضية غسيل أموال، إلا أنها أوضحت الكثير من الخطط الإخوانية المعتمدة على تعامل النظام معهم بصفتهم فصيلاً سياسيًّا معارضًا، وكشفت أيضًا عن محاولة اختراق لنظم المعلومات في أجهزة حساسة للدولة عن طريق شركة خيرت الشاطر (سلسبيل لأنظمة المعلومات والحاسب الآلي)! رابعًا: كشف تعامل النظام مع قضية سلسبيل (1994) عن تعاطف كبير مع شخصيات إخوانية حققت شعبيتها وأهدافها على حساب النظام، والمزايدة على مواقفه سواء في حرب الخليج الأولى أو الثانية، ومع كل ما ارتكبه الإخوان من جرائم ضد المجتمع المصري يتهمون النظام بالتجبر والظلم.. رغم أنه لا أحد ممن يسيئون للإسلام في جميع أنحاء العالم ولا من لدن أبي لهب، قد بلغ به الإساءة التي يقوم بها الإخوان للإسلام الذي يدعون الحديث باسمه آناء الليل وأطراف النهار، أما لماذا فنظرة إلى الحركات الإرهابية الدموية بدءًا من تنظيم التكفير والهجرة، مرورًا بالجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والقاعدة التي أسسها عبد الله عزام، بمعاونة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وحماس وحزب الله وغيرها من المنظمات الإرهابية ذات المرجعية الإسلامية كلها بلا تجنٍّ مجرَّد عوارض بسيطة من منجزات الإخوان المسلمين في سبيل نصرة الإسلام! خامسًا وأخيرًا: لم يتغيَّر منهج الإخوان في التعامل مع الشعب المصري.. فلماذا يتغيَّر منهج الشعب معهم؟! إننا نحذِّر كل من يحاول الضغط على النظام المصري في قضية الديمقراطية ليس خوفًا من الجماعة المحظورة، ولكن خوفًا على مستقبل هذا الوطن، بأقباطه ومسلميه، بهائييه وملحديه، فمصر التي آوت كل المضطهدين على مر العصور من النبي إبراهيم، ويوسف الذي تخلص منه إخوته، وموسى، والمسيح وأمه العذراء لن تضيق أبدًا بالديمقراطية ولا بالإسلام ولكنها تضيق وتطبق قوانينها على من لا يرجو للوطن أمنًا ولمواطنيه السلام، ولذلك نقول لكل من يدافع عن حق الإخوان في الوجود السياسي، ارجع أولاً لتاريخ هذه الثلة من الخارجين على ملة الوطن، وإذا لم يكفروك ويهدروا دم الوطن تعالوا، إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، نصها، الدين لله، والوطن لمواطنيه بلا تمييز ديني! وهكذا سوف يصبح لا مبرر إطلاقًا للحديث عن تيار سياسي ديني اسمه الجماعة المحظورة، ولا مرشد عام ولا أي صورة من صور التزييف الديني في الوعي السياسي! وختامًا: هل من الممكن أن يطالبنا عاقل.. بتناول السم على سبيل التجربة؟! |
الاثنين، 7 مارس 2011
من "البُرش" إلى العرش!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق