أيمن عبد الرسول |
لا ينكر عاقل أن "ربنا عرفوه بالعقل"، ولا يجادل في هذه الحقيقة إلا من حرمه الله نعمة التعقُّل، لأن العقل بمعنى المخ كجزء من أجزاء الدماغ منحة بيولوجية، ولأن العقل نعمة واللي يكرهها يعمى، ووسط كم الصراخ اللا عقلاني المنظم في مصر، وهو نتيجة طبيعية لأغلبية حُرمت من هذه النعمة، أو اختارت استئصال العقل الذي قيل لنا إنه ما يميز الكائن الإنساني عن غيره من الكائنات، ولأنني من أنصار مقولة إن الإنسان "حيوان.. مفكر"، ولأنني حريص على إنسانيتي قبل مواطنتي المصرية، أطالب دول العالم المتحضِّر بوضع بند اللجوء العقلي ضمن أسباب اللجوء، لحماية الحيوانات المفكِّرة من اضطهاد الشعوب الضالة، التي هي منزوعة التعقُّل، حتى يمكن للحكماء والجادين من بني الشعوب الضالة فكريًّا اللجوء إلى الدول التي تحترم العقل. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وأسجد له شكرًا كل صباح على أنه لم يخلقني حيوانًا وبس!! يعني جعلني من زمرة المفكرين، وأتابع معكم أصداء الاحتجاجات العربية واسعة النطاق وأفكر، عملاً بنصيحة مولانا العظيم رينيه ديكارت (31 مارس 1596 – 11 فبراير 1650) "أنا أفكر.. إذن أنا موجود" ومن أهم ميزات التفكير منهج الشك الذي يبتغى الوصول إلى الحق، والذي نُسب فلسفيًّا إلى ديكارت برضه، باسم الشك المنهجي، وهناك الشك المذهبي الذي نُسب إلى بروتاجوراس من الفلاسفة قبل سقراط، وبين الشك المذهبي والشك المنهجي وشائج مودة، فالأول منهج يريد التوصُّل إلى الحقائق ربما بمنطق توليدي، أو كما قال سقراط: إن الحقائق كامنة داخل كل منا، والجدل يقوم بتوليد هذه الحقائق من داخل النفس البشرية، التي تحمل ثلاث قوى أساسية: العقلية والشهوانية والنفسية! لماذا أناقش معكم الأمر الآن وأنا أطالب بمنحي حق اللجوء العقلي إلى فرنسا أو ألمانيا أو إنجلترا مثلاً، فمنذ ما يزيد على الأعوام الأحد عشر، كان صديقكم تلميذًا نجيبًا في قسم الفلسفة بآداب الإسكندرية، وكان ولم يزل منتميًا إلى الحضارة المصرية القديمة، وكان يدرس لنا أستاذ محترم جدًّا، لا داعي لذكر اسمه، لأنه حصل على جائزة الدولة في العلوم الإنسانية، والتي ربما أصبحت حرامًا الآن على ناس، وناس لأ تبعًا لمكارثية ودينية ثورة يناير المباركة، المهم أنه كان ينتمي بجسده إلى مصر، وعقله مهاجر إلى الحضارة اليونانية القديمة، وكان يتبنى مقولة، عارضتُها وقتها بشدة، نصها: "الحضارة اليونانية أنتجت فكرًا.. والحضارة المصرية أنتجت حجرًا" ووقتها لأني لم أكن خبيرًا في الثقافات، وكنت مؤمنًا إيمانًا شوفينيًّا بالحضارة المصرية القديمة، إيمانًا لا ينافسه إلا إيماني بالله، كتبت مقالاً في صحيفة الأهرام المصرية، بعنوان "حضارة الفكر وحضارة الحجر"، واستشهدت فيه وقتها بكتب أجنبية تثبت أن الفلسفة اليونانية، فلسفة مصرية قديمة، وكنت متطرِّفًا إذ حملت على الفرنسي أرنست رينان (28 فبراير 1823 - 1892) الذي قسَّم العالم هو الآخر إلى شعوب غربية منتجة للحضارة، وأخرى شرقية مستهلكة لها، وحاولت جاهدًا إثبات أن الحجارة التي تجلَّت فيها ومن خلالها الحضارة المصرية القديمة كان وراءها ثقافة وفكر نظري واسع وعريض، بينما الحضارة الغربية، تصنع فكرًا لا يجد طريقه للتطبيق، فصار فكرًا وفقط، وألححت على ضرورة البحث والتحرِّي خلف الحجارة المصرية للوصول إلى الفكر الذي جمد فيها. الغرب أنتج الديمقراطية والعلمانية، ولكنه عوقنا عن استكمال حضارتنا الشرقية بالحملات الصليبية ثم باستعمار دولة الخلافة العثمانية، آخر قلاع وهم الخلافة الإسلامية في العالم، الغرب أنتج الثورات لنفسه، ثم احتل بلادنا المحتلة منذ الهكسوس مروًا بالروم والفرس والعرب الغزاة، لتستمر ثوراته المجيدة، الغرب تبنى حقوق الإنسان إلا في بلادنا التي لم تكن دخلت حيز الإنسانية وقتما اخترعها هو.. وإذا كانت مصر بشهادة جيمس هنري برستيد (من 27 أغسطس 1865 إلى 2 ديسمبر 1935) هي فجر الضمير، فإن الغرب صار عصر الضمير.. وبقيت مصر تنتج حجارة ولكن بالعربية، وثقافة ولكن لا مصرية، وتعلمت الديمقراطية وحقوق الإنسان، والليبرالية والعلمانية، وغيرها من منتجات الحضارة الغربية، التي لم يزل أغلب شيوخ منابرنا ومثقفينا يرونها حضارة كافرة لا إنسانية، تحتفي بالجسد في غياب الروح.. أما مناسبة هذه التداعيات المريرة، التي جعلت صديقكم يراجع نفسه الآن، لأن الشخصية المصرية المعاصرة أصبحت تنتج حجارة على هيئة فكر، وفكرًا كالحجارة بل هو أشد قسوة، كان أستاذي على حق، الحضارة المصرية التي طُمست ملامحها على مر أكثر من 2500 سنة، من الاحتلالات المتتابعة غربية وشرقية، أصبحت تنتج حجرًا يلقي به كل من يحاول تعقل أمر الوطن، والحضارة اليونانية، الغربية تنتج فكرًا ينتمي أغلبنا إلى فضاءاته ويبدو مغتربًا عن حجارة الشارع، فالديمقراطية لدينا هي علو الصوت على عدد العقلاء، وعدم سماع صوت التعقل، وشعارات لا يقابلها فعل على مستوى البشر، ودكتاتورية واضحة أفضل من تحكم منزوعي الفكر في محترفي التفكر، في الغرب، واحد + واحد = 2.. أما في بلاد الشرق الأوسط التعيس، ربما يساوي مجموعهما 3. إلى من يلجأ صاحب العقل في مجتمعات ضد التعقُّل؟! مجتمعات تمجد الفوضى، وتسميها ثورة، تحتقر العقل وتسميه خذلانًا، تعلي الجهل على رؤوس الأشهاد، وتصرخ في العالم: بلاش فلسفة.. وتسمي الرأي المخالف لها حرامًا وبدعة وضلالة وفي النار، وتقول"لا نجتمع على ضلالة!" وهي لا تعرف الحق.. وتسمي ضلالها الحقيقة، والحقيقة هوى لا يغني عن الحق شيئًا! وفي النهاية كانت لدينا مغالطة تمثل قضية باطلة في المنطق، وهي أن فلانًا مواطن إسبرطي، وكل أهل إسبرطة كاذبون، فهل هو صادق أم كاذب؟! هي مغالطة، مثل السليم وسط المصابين بالجدري، يبدو هو المريض، أليست ملامحه هو الوحيد المختلفة عن المجموع المريض؟! الحقيقة أنني لا أطلب اللجوء العقلي إلا إلى مصر، المدنية العلمانية، مصر الحضارة والنظام والدولة العظيمة التي اخترعت الدين والدولة، قبل نزول الدين أو تأسيس الدولة، والتي تغير شعبها ولم تبقِ له من مصريته، سوى محو اسم الفرعون السابق، والبحث عن فرعون جديد، ولكن في حالة تعرضي لاضطهاد عقلي من قبل المختلفين معي.. أفضل اللجوء العقلي إلى الفلسفة الألمانية، من هيجل ونيتشه وأنت طالع، أو الإنجليزية، من لوك وهوبز بتوع العقد الاجتماعي، أو إلى فرنسا من أول فولتير الذي قال: "قد أختلف معك في الرأي.. لكني على استعداد أن أدفع عمري ثمنًا لأن تقول أنت رأيك"! ولدينا يقول لسان حال اللا عقلانيين، قد أختلف معك في الرأي، وعلى استعداد أن أقتلك لأثبت صحة رأيي! أقول لمن لا يتعقَّل: يا أخي.. آمن بالحجر، ولكن إياك أن تقذفني به! ayman@alazma.com |
الأربعاء، 2 مارس 2011
حق اللجوء العقلي!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق