السبت، 12 مارس 2011

الأساطير المؤسسة للطائفية في مصر (1)


PDF طباعة إرسال إلى صديق
أيمن عبد الرسول   

هل نمتلك جرأة تفكيك الأساطير المؤسسة للطائفية في مصر؟ أغلب الظن أن هناك الكثيرين لا يجرؤون على مواجهة هذه الأساطير فضلاً عن مواجهة الفتنة نفسها، ولأننا بصدد إنجاز هذه المقالات في تلك الأساطير، ولأننا ننوي تفكيكها بجدية، فعلينا أن نحدد مصطلحات باتت غامضة في قاموس المجتمع المصري والعربي ككل، فنحن نعيد تعريف الأساطير والفتنة، والطائفية، على مستويين، الأول مستوى لغوي تاريخي من منظور علم الأديان، والثاني مستوى أنثروبولوجي من جهة علم الإنسان والمجتمعات التي تشكَّلت فيها هذه المصطلحات، ومساراتها الدلالية، وتحويراتها، والمعنى الذي تُستخدم به في اللحظة الآنية، وأرجو من القارئ تحمل كاتب هذه السطور حتى النهاية علَّنا نصل إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، في تشخيص ومواجهة هذه الأساطير، ونبدأ من حيث التعريفات.
الأساطير: هي القصص التي لا تمتلك أصلاً لها في الواقع المعيش، وإن كانت الجماعة الاجتماعية تبنتها بناء على مفاهيم مغلوطة، وسوء تفسير لحكايات أو أحداث رمزية تعيد إنتاجها بغض النظر عن حصولها من عدمه.
والأساطير المؤسسة: هي الحكايات الأساسية التي تفسر سلوكيات أو وجهة نظر معرفية كونتها جماعة اجتماعية حول موضوع واقعي حاضر، مثل رواية بعض المسلمين عن ارتداء رجال الدين الأرثوذكس للملابس السوداء حدادًا على غزو العرب لمصر، وفي الوقت نفسه لا يفسرون ارتداء الكاثوليك لألوان زاهية، فهل الكاثوليك يعبرون عن سعادتهم بالغزو العربي لمصر؟!
أما الطائفية: فهي التعصب (الأعمى) لطائفة معينة، مهما تعدَّدت الأسباب وراء هذا التعصُّب
هذه هي تعريفاتنا، المنتقاة بعناية لخدمة موضوع المقالات التي تقرؤونها الآن، في سياق تداولها، ويبقى تعريف الفتنة، حتى تكتمل دوائر المصطلحات، أعرف أن هذه النوعية من المقالات تكون ثقيلة على قلب القارئ، ولكني أدعوكم للتواصل إذا أردنا كتابة روشتة علاج ناجحة لأحد أهم أمراض المجتمع المصري وأكثرها خطرًا على مستقبل الوطن!
الفتنة: هي الاختبار الصعب، جماع معنى الفتنة في كلام العرب: الابتلاء، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك: فتنتُ الفضة والذهب، أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيد.
وقد لخص ابن الأعرابي معاني الفتنة بقوله: "الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار". (لسان العرب لابن منظور).
ومن هذه التعريفات ننطلق للإجابة عن سؤال مهم قبل تفكيك الأساطير المؤسّسة للطائفية في مصر، وهو هل في مصر ظاهرة اجتماعية وسياسية تُسمَّى بالفتنة الطائفية، وماذا نعني بالظاهرة؟
تمثل الظاهرة الاجتماعية تيارات اجتماعية قائمة حتى وإن لم يكن هناك تنظيم اجتماعي محدد بوضوح مثل موجات الحماس التي تدفع الفرد إلى الاندماج في الحشد أو الجمهرة وتستمد الظواهر الاجتماعية أصولها من المظاهر المعية للمعتقدات والممارسات الجماعية وليست العمومية هي الظاهرة المميزة لهـذه الظواهر الاجتماعية ذلك أن هناك تميزًا هامًّا بين الظواهر الفردية والاجتماعية حيث تشير الظواهر الاجتماعية إلى ضروب معينة من السلوك والفكر يتحقَّق لها الاستمرار فتتبلور كأنماط متميزة من الحوادث الجزئية الفريدة التي أدت إليها.
ويجتهد المختصون بالشأن الاجتماعي سواء كانوا علماء اجتماع أو وعاظًا أو مرشدين أو مصلحين اجتماعيين في رصد الظواهر الاجتماعية في حركة المجتمع وتحديد الموقف المطلوب منها.
فإذا كانت هذه الظاهرة إيجابية وحسنة امتدحها المصلح أو الواعظ وشجع على بقائها وديمومتها في الوسط الاجتماعي، وإذا كانت سلبية وسيئة ذمها واعتبرها اختراقًا اجتماعيًّا وأخلاقيًّا خطيرًا من قبل العدو، وعرض في ذات الوقت القيمة المقابلة لتلك الظاهرة السيئة بكلياتها وخطوطها الكبرى، واعتبرها هي الحل والعلاج لتلك الظاهرة السيئة.
فمجتمعنا ليس مجتمعًا ملائكيًّا، وفيه ما في كل المجتمعات الإنسانية من مشاكل وظواهر مرضية ومن الخطأ التعامل مع هذه الظواهر بوصفها انحرافات أخلاقية أو سلوكية فحسب، دون البحث في أسبابها العميقة، وتفسيرها التفسير العلمي الذي يربطها بسياق حركة المجتمع وظروفه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
ومن الأخطاء الفادحة التي يقع فيها الكثير من المهتمين بالشأن الاجتماعي عزلهم الظاهرة التي يدرسونها عن السياق الاجتماعي والظروف التاريخية التي برزت فيها تلك الظاهرة ونشطت فيها. وقد حاول "دور كايم" في كتابه "تقسيم العمل الاجتماعي" 1893م أن يدرس الظواهر الاجتماعية الموجودة في عصره فوصل إلى نتيجة مفادها: أن تقسيم العمل المفرط الذي يسير نحو التعقيد المتزايد ربما يقود في ظروف مجتمعية خاصة إلى أن يفقد العمال مثلاً معنى علاقاتهم بالآخرين ويقود هذا إلى انحطاط وتدهور العلاقات الاجتماعية.
وقد وصف "دوركايم" هذه الحالة بالأنومية والمجتمع الأنومي، وهو مصطلح استخدمه "دوركايم" ليصف حالة مجتمعية حزينة يرثى لها فهو مجتمع مفكك العلاقة لا تتناسب فيه مصالح الأفراد ويفتقد ضبط أجزائه وربطها معًا في كلٍّ متماسك، فلا يكفينا اليوم أن نذم هذه الظواهر، أو نبدي قلقنا الأخلاقي والاجتماعي منها وإنما المطلوب المعرفة العلمية التي تقودنا إلى معالجتها معالجة عملية شاملة لهذه الظواهر.
ومن هنا تأتي أهمية هذه المقالات التي تبدأ من الآن واللحظة الحرجة التي تواكب ما بعد ثورة تحرير مصر من النظام السابق مع تحميله كافة الظواهر المجتمعية، من الفوضى والفتنة إلى كل ما يخص العلاقات المجتمعية المعقدة والمتشابكة، والأكثر خطورة على الثورة من أعدائها هم المُضللون من داخل الثوار الذين ينكرون الخلفيات الثقافية والاجتماعية للطائفية في مصر، ويختزلون الفتنة في راحة ضمير لا تجد من يحسدهم عليها سوى المغفلين، وينسبون الوقيعة بين المسلمين والأقباط إلى ألاعيب النظام السابق، متعمدين التغافل عن الأساطير المؤسسة للطائفية، ومنها نصوص دينية، ومعاملات طائفية الطابع بين مواطنين مُختلفي الديانات، ويتم إقصاء البهائية من معادلة المواطنة، والخلفيات السوسيوثقافية بين المواطنين، بما فيهم الملحدون والمتنصرون و"المتمسلمون"، ثم استبعاد دوائر التعصب الطبيعية، من فرط تداولها لا في ذاتها بدءًا من التعصب لنادٍ كروي، وانتهاءً بالتعصب للوطن دون تمييز إيجابي.
فنحن في مصر نسير بخطى واثقة نحو الهاوية، مدفوعين بما يسميه علماء اللغة والنفس باستراتيجية الرفض، لكل ما يخالف بناءنا النفسي والمعرفي، والأمثلة أكثر من أن تُحصى أو تُعد، فمثلاً قيام وتدشين انتفاضة يناير من على "الفيسبوك" واشتعال الفتنة الطائفية في قرية صول لأسباب تتعلق بادعاء بعض سكان القرية أن الكنيسة كانت وكرًا لأعمال السحر والشعوذة، كيف يلتقيان؟!
ممارسة كهنة الكنيسة لأعمال السحر والدجل موروث إسلامي، صنعته الأسوار العالية حول الكنائس والأديرة، وعدم تعرف المسلم، أو إن شئنا الدقة، رفضه للتعرف على الآخر، بالإضافة إلى لجوء بعض المسلمين إلى الكهنة في تعاملات ملتبسة تخص الحلول الروحية، لأزمات بدنية، فعلينا الاعتراف أولاً أن آلاف التصوُّرات المستمدة من ممارسات اجتماعية ودينية عضدتها أوامر ونواهٍ دينية، من الطرفين للأسف، عبر آلاف السنين لا يمكن محوها في سنوات قليلة، أو استثمارها لـ30 عامًا بحجة أن الشعب تم تضليله.
فلو أنه ثانيًا شعب مُضلل كما يقول الثوار لأسباب تتعلق بالنظام السابق، فكيف قام هذا الشعب المضلل بثورة أراد فيها إسقاط النظام فأسقطه، ولو أنه ثالثًا يمتلك إرادة حقيقية للتغيير بغير تعسُّف النخبة الجديدة التي تطالب بمحاكمة النخبة القديمة لمسؤوليتها عن أزمات مُجتمع ضال، فلماذا لا يتحمل الثوار الجدد مسؤولياتهم أمام مواجهة أزمات هذا الشعب الذي يتحدث الجميع باسمه على الإنترنت، بينما هو يلجأ إلى السحر والشعوذة فيما يسمى بالثورة المُضادة؟
أعرف أنها أسئلة حرجة، ومُحرجة في آن.. وأعدكم الإجابة عنها في المقال القادم.. إن كان ثمة قادم ليس أسوأ مما نعاينه الآن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق